كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

منه ينبت ومنه يخلق في النشأة الأخرى، كما ينبت العود المسمى بالريحان، حتى إذا ما اكتملت الأجسام وتناهى خلقها وحان للأم ولادها وجاءها المخاض، فنفاسها متدان قريب، أوحى إليها ربها وأذن لاسرافيل أن ينفخ في الصور النفخة الثانية، فتنشق الأرض وتلقي ما فيها وتتخلى ويخرج منها الناس، ذكورهم وإناثهم، في أكل خلقه.
و قوله (و اللّه مقتدر وذو سلطان) جملة معترضة أريد بها بيان أن اللّه كان قادرا أن يخرج الناس من قبورهم بدون هذه الأسباب، ولكن حكمته اقتضت أن تكون النشأتان متشابهتين كما قال تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف: 29] وكما قال: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [الأنبياء: 104] فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [المؤمنون: 14].
واللّه ينشئ خلقه في نشأة ... أخرى كما قد قال في القرآن
هذا الذي جاء الكتاب وسنة ال ... هادي به فأحرص على الايمان
ما قال إن اللّه يعدم خلقه ... طرا كقول الجاهل الحيران
الشرح:
يزعم الفلاسفة المنكرون للبعث والمعاد الجسماني أنه لا بد في البعث من اعادة الأجسام التي كانت في الدنيا بأعيانها، يعني بجميع صفاتها وأعراضها التي كانت لها في الدنيا. ولما كان ذلك مستحيلا فقد أدى بهم ذلك إلى انكار البعث، وللرد عليهم نقول: ان اللّه ينشئ الخلق ويؤلفهم تأليفا جديدا كما قال تعالى: ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ [العنكبوت: 20] وأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى [النجم: 47] وليس بلازم في الاعادة ولا في كون الشخص الثاني عين الأول أن يعاد الجسم بجميع أجزائه، فإن الشخص في الدنيا يكون صغيرا ثم ينمو وينتقل من طور إلى طور، وهو في كل هذه الأطوار في تجدد دائم واستحالة مستمرة، فتخرج منه أجزاء وتتجدد له أخرى، ومع ذلك هو في كل هذه الأطوار هو، لم يقل أحد أنه شخص آخر، فكذلك النشأة الأخرى هي

الصفحة 43