كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

يحاولون استراق السمع. والمراصد جمع مرصد، وهو مكان الرصد، قال تعالى:
وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة: 5] والحصر الحبس والتضييق، والقربان ما يتقرب به من الذبائح، والزحفان جمع زحف، وهو الجيش الزاحف من وضع المصدر موضع اسم الفاعل، والوحيان الكتاب والسنة، والفطرات جمع فطرة.
الشرح:
هذا هو ما يقسم عليه المؤلف رحمه اللّه أن يجاهد أعداء اللّه المارقين عن دينه الناكبين عن صراطه ما بقي فيه رمق من حياة، وأن يجعل قتالهم وجهادهم ديدنه وهجيراه، وأن يظهر للناس عوارهم ويهتك أستارهم، ويكشف ما خفي على الجهال من مخازيهم، ويفري أعراضهم بحديد لسانه إن كان قد بقي لهم أعراض.
و يقسم كذلك ليبالغن في طلبهم وتتبع آثارهم إلى حيث بلغوا، لا يني في ذلك ولا يقصر، حتى يقول القائل: أ يكون هناك عبادان، وليقذفنهم بسهام الهدى يرجمهم بها رجم الشياطين بالشهب الثاقبة. وليقعدن لهم كل مرصد يمكن أن يكيدهم فيه وليضيقن عليهم الخناق، وليجعلن من لحومهم ودمائهم التي فراها بسهام الحق أعظم قربان يتقرب به إلى اللّه، وليحملن عليهم بجند لا تعرف الفرار ولا تولي يوم اللقاء الأدبار، وهي عساكر الوحيين من الكتاب والسنة وما تقر به الفطرة السليمة التي خلقها اللّه مستعدة لقبول الحق والإذعان له، وما تهدي إليه العقول بالنظر الصحيح، وما تفيده النقول الثابتة، حتى يظهر لكل من له عقل من أولى منا ومنهم بأن ينسب كلامه إلى حكم العقل والبرهان؟
و لينصحن ما عاش للّه، فيبين العقيدة الصحيحة التي يجب على كل أحد أن يعتقدها في ربه عز وجل، ويبين كذلك حقوقه التي يجب أن يقوم بها العباد نحوه، ولينصحن لرسوله ببيان ما يجب له على الناس من محبة وتوقير وطاعة واتباع، وما يجب عليهم أن يعرفوه من أخلاقه وسيرته وهديه وسنته. ولينصحن كذلك لكتاب اللّه، فيبين ما يجب على الناس نحو كلام ربهم، من حسن الاستماع إليه وكمال التعقل والتدبر لآياته، والوقوف عند حدوده وأحكامه، والاتعاظ

الصفحة 430