كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

و ارادتهم، حتى أراحهم جهم وشيعته من عودهم بالأئمة على أنفسهم كلما أحدثوا ذنبا، فأخذوا بعد مقالة جهم يحملونها ربهم جل شأنه ويتبرءون منها، ويقولون مقالة الجاهل المغرور انها أفعاله لا أفعالنا، ولا حيلة لنا في دفعها، اذ لا قدرة لنا ولا اختيار.
ما كلف الجبار نفسا وسعها ... أنى وقد جبرت على العصيان
وكذا على الطاعات أيضا قد غدت ... مجبورة فلها اذا جبران
والعبد في التحقيق شبه نعامة ... قد كلفت بالحمل والطيران
اذ كان صورتها تدل عليهما ... هذا وليس لها بذاك يدان
فلذاك قال بأن طاعات الورى ... وكذاك ما فعلوه من عصيان
هي عين فعل الرب لا أفعالهم ... فيصح عنهم عند ذا نفيان
نفي لقدرتهم عليها أولا ... وصدورها منهم بنفي ثان
الشرح:
إذا كان الجهم يرى أن العبد لا قدرة له على الفعل ولا اختيار له فيه، فهو عنده قد كلف بما لا يطيق، حيث أنه مجبور على كل من الطاعة والمعصية فإذا كلف بترك المعصية أو بفعل الطاعة فقد كلف بما لا يدخل تحت قدرته، وهو عند التحقيق أشبه شي ء بالنعامة، يراها الرائي في صورة الجمل فيكلفها حمل الاثقال ويرى لها جناحين فيكلفها الطيران، وليس لها على هذا أو ذاك قدرة واحتمال، وإذا لم يكن للعباد يد بشي ء من الطاعات أو المعاصي لم تكن هي أفعالهم، بل عين فعل الرب سبحانه، لأنه هو الذي خلقها فيهم، وليس لهم فيها إلا أنهم محل فقط لظهورها، وعلى هذا فيصح أن ننفي عنهم قدرتهم عليها كما ننفي صدورها منهم بنفي ثان.
فيقال ما صاموا ولا صلوا ولا ... زكوا ولا ذبحوا من القربان
وكذاك ما شربوا وما قتلوا وما ... سرقوا ولا فيهم غوي زان

الصفحة 45