كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

عندهم لا يتكلم متى شاء، ولا يحب ولا يرضى، ولا يغضب ولا يسخط، ولا يجي ء يوم القيامة، ولا ينزل كل ليلة كما وردت الأخبار الصحيحة بذلك.
و المقصود أن الجهم إذا كان ينفي صدور الفعل من العبد، وكان الفعل ليس قائما بالرب، فإذا جمع القولان كل منهما إلى الآخر أنتجا قضية من أكذب الكذب، فإن السلب لا ينتج إلا سلبا، فإذا نفى صفات الرب وفعله وكلامه، ونفى مع ذلك فعل العبد، أنتج ذلك أن لا خلق، ولا أمر، ولا وحي، ولا تكليف عبد فان.
وقضى على أسمائه بحدوثها ... وبخلقها من جملة الأكوان
فانظر إلى تعطيله الأوصاف وال ... أفعال والأسماء للرحمن
ما ذا الذي في ضمن ذا التعطيل من ... نفي ومن جحد ومن كفران
لكنه أبدى المقالة هكذا ... في قالب التنزيه للرحمن
وأتى إلى الكفر العظيم فصاغه ... عجلا ليفتن أمة الثيران
وكساه أنواع الجواهر والحلى ... من لؤلؤ صاف ومن عقيان
فرآه ثيران الورى فأصابهم ... كمصاب إخوتهم قديم زمان
عجلان قد فتنا العباد بصوته ... إحداهما وبحرفه ذا الثاني
الشرح:
كما نفى الجهم صفات الرب عز وجل وأفعاله، فهو كذلك ينفي أسماءه الحسنى التي سمى بها نفسه والتي سماه بها رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ويرى أنها أسماء لبعض مبتدعاته، وأنها حادثه، وإنما تطلق عليه سبحانه على سبيل المجاز. ومن العجب أن هذا الجهم مع غلوه في النفي والتعطيل، ومع ما يتضمنه هذا التعطيل من الكفر والانكار والجحود يصوغ ذلك في عبارات يوهم بها الأغرار أنه إنما يقصد تنزيه الرب عما لا يليق به من المشابهة لخلقه، ويصوغ من ذلك الكفر الشنيع عجلا ليفتن به أمة الجهل والضلال، لا سيما وقد كساه من حلل التمويه وزخارف التحريف ما بهر أبصارهم، ففعلوا به حين رأوه ما فعله إخوة لهم من

الصفحة 47