كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

من ثوبين طالما أوردا من لبسهما ورد الردى وسقياه كأس المذلة والهوان، وهذان الثوبان هما ثوب الجهل المركب وفوقه ثوب التعصب ما اجتمع هذان الثوبان على أحد إلا أدخلاه في لجج الباطل ومتاهات الضلال وزينا له سوء عمله وقبح اعتقاده فرآه حسنا والمراد بالجهل المركب أن يعتقد الانسان خلاف الحق مع اعتقاده أنه على الحق فهو جاهل بالحق ولا يدري أنه جاهل به. وهذا أشنع من الجهل البسيط الذي هو عدم العلم بالحق بمعنى خلو الذهن عنه. وما أحسن قول الشاعر:
قال حمار الحكيم تومأ ... لو أنصف الدهر كنت أركب
فإنني جاهل بسيط ... وصاحبي جاهل مركب
ثم أمره بعد ذلك أن يتحلى بحلية الانصاف فإنها أبهى حلة تزين بها الاعطاف والكتفان والمراد أن ينصف خصومه من نفسه فلا يجحد ما عندهم من الحق ولا ما تتسم به بعض حججهم من وجاهة، بل يجب أن يذكر ما لهم وما عليهم في غير غمط ولا انكار. وأن يجعل شعاره في محاربته لهؤلاء الخصوم خشية اللّه عز وجل لانها تحجزه عن الاعتداء والطغيان ونصح الرسول له بترك المراء والجدل فإنه صمام الامام وأن يعتصم بحبل اللّه المتين ووحيه المبين وأن يتوكل عليه حقيقة التوكل وهو أن يفوض إليه أمره، ويستعين به على أعدائه بعد أن يكون قد بذل غاية وسعه في تهيئة أسباب الغلب والنجاح.
فالحق وصف الرب وهو صراطه ال ... هادي إليه لصاحب الايمان
وهو الصراط عليه رب العرش أي ... ضا وذا قد جاء في القرآن
والحق منصور وممتحن فلا ... تعجب فهذي سنة الرحمن
وبذاك يظهر حزبه من حزبه ... ولأجل ذاك الناس طائفتان
ولأجل ذاك الحرب بين الرسل وال ... كفار مذ قام الورى سجلان
لكنما العقبي لأهل الحق أن ... فأتت هنا كانت لدى الديان

الصفحة 52