كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)
الشرح:
لما دعاه إلى الاستمساك بالحق والثبات عليه والقتال دونه أراد أن يظهر شأن ذلك الحق، وأنه جدير بكل تضحية تبذل في سبيله، فذكر أن للحق عدة معان: منها أنه وصف للرب جل شأنه كما قال تعالى: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ويَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور: 25] ومنها أنه صراط اللّه الذي يهدي إليه من يشاء من عباده من أهل الإيمان والهدى كما قال تعالى:
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ [يونس:
35] وكما قال تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة: 213].
و منها أن الحق هو الصراط الذي يخبر اللّه عن نفسه أنه عليه، كما قال تعالى:
إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود: 56] يعني في قوله تعالى وفعله، فقوله صدق ورشد ونصح وهدى. وفعله حكمة وعدل ورحمة ومصلحة.
ثم ذكر من شأن الحق أيضا أنه منصور وأن العاقبة له ولكنه ممتحن ومبتلي بمناوأة الباطل وتشويشه، وأن سنة اللّه قد جرت بذلك حتى يتميز حزب اللّه من حزب الشيطان، وحتى تظل معركة الحق والباطل سجالا مستمرة بين رسل اللّه وبين أعدائهم من الكفار ثم تكون العاقبة للمتقين كما قال تعالى: والْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى [طه: 132]، وكما قال تعالى على لسان موسى عليه السلام: قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128] وهذه العاقبة ان فاتت أهل الحق في الدنيا فهي مدخرة لهم عند اللّه عز وجل يوافيهم بها يوم الدين وينتصف لهم من البغاة المعتدين.
واجعل لقلبك هجرتين ولا تنم ... فهما على كل امرئ فرضان
فالهجرة الأولى إلى الرحمن بال ... اخلاص في سر وفي اعلان
فالقصد وجه اللّه بالأقوال وال ... أعمال والطاعات والشكران