كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)
بينهم الاختلاف والتنازع، وفاتهم من الحق بقدر اهمالهم له، ذلك هو تحكيم الوحي المبين في كل مسائل الدين، أصوله وفروعه وايثاره على تقليد المشايخ والآباء في أقوالهم بلا بينة، فهناك حكمان اثنان لا يحكمان الا بكل ما هو حق وعدل، ولا يعقل أن يصدر منهما حكم بخلاف ذلك، فأولهما كتاب اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل، وفيه الشفاء من جميع أمراض القلوب، وهدى كل ضال حيران.
و الثاني هو كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الذي أمره اللّه أن يحكم بين الناس بما أنزله إليه، وأن يبلغهم البلاغ المبين، وأن يبين لهم ما نزل إليهم، قال تعالى: فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء: 65] فإذا دعي الانسان لغير حكمهما فيجب أن يرفض بكل اباء، وأن لا يجيب من يدعوه إلى ذلك قائلا له بمل ء فمه لا، ولا كرامة ولا نعمى ولا طاعة لمن يدعو الى الكفر والطغيان. وأما اذا دعي الى اللّه ورسوله فليقل على السمع والطاعة في غير إباء ولا استكبار. قال تعالى: إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور: 51].
وإذا تكاثرت الخصوم وصيحوا ... فأثبت فصيحتهم كمثل دخان
يرقى إلى الأوج الرفيع وبعده ... يهوي الى قعر الحضيض الداني
هذا وإن قتال حزب اللّه بال ... أعمال لا بكتائب الشجعان
واللّه ما فتحوا البلاد بكثرة ... أنى وأعداهم بلا حسبان
وكذاك ما فتحوا القلوب بهذه ال ... آراء بل بالعلم والايمان
الشرح:
يجب على صاحب الحق المستمسك بأهداب الوحي أن لا يعبأ بكثرة الخصوم ولا يفزعه صياحهم وضجيجهم، فإن كيد الباطل ضعيف مآله إلى