كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

الهوى والنفاق كانا عونا له على السير إلى اللّه عز وجل والقرب منه- ولا ينبغي لمن توفرت له هذه الشجاعة أن يقصد من دونه من أطراف القوم وأوشابهم بالقتال، بل يقصد إلى الأقران من خصومه فإن العز تحت مقاتلهم، ثم عليه أن يسمع لنصيحة خبير مجرب، يعني نفسه رحمه اللّه عنده علم بكل ما عند الورى من مذاهب وآراء، وهو يقسم باللّه أنه ليس عندهم أفضل ولا أنفع مما أخذوه عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وما وراءه مما يقول الناس فهو اما بدعة محدثة لا أصل لها في دين اللّه، وإما فرية مختلقة افتراها أحد الكذابين، وأما بحث يقصد منه اثارة الشكوك والشبهات حول العقائد الصحيحة المسلمة، وإما رأي مأثور عمن ليس قوله حجة ولا له عليه دليل.
فاصدع بأمر اللّه لا تخش الورى ... في اللّه واخشاه تفز بأمان
واهجر ولو كل الورى في ذاته ... لا في هواك ونخوة الشيطان
واصبر بغير تسخط وشكاية ... وأصفح بغير عتاب من هو جان
واهجرهم الهجر الجميل بلا أذى ... أن لم يكن بد من الهجران
وانظر إلى الأقدار جارية بما ... قد شاء من غي ومن إيمان
الشرح:
الصدع بالأمر معناه الجهر والاعلان، كما قال تعالى لنبيه عليه السلام: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر: 94] والمعنى فاجهر بكلمة الحق ولا تكتمها خشية الناس، فإن اللّه أحق أن تخشاه وفي خشيته الفوز بكل طمأنينة وأمان، ولو اقتضاك الجهر بكلمة الحق أن تعادي الناس جميعا وتهجرهم في ذات اللّه عز وجل لا في سبيل هوى النفس ونفخة الشيطان، فلا يثقلن عليك ذلك، وتلقه بالصبر الجميل في غير ضجر ولا شكوى، واصفح الصفح الجميل دون عتب على من جنى عليك وآذاك، وإذا اضطررت إلى هجر الناس واجتنابهم، فليكن هجرك جميلا غير مصحوب بأذى، وليكن نظرك إلى

الصفحة 57