كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

مجاري أقدار اللّه عز وجل وما تعلقت به مشيئته من اختلاف الناس في غي وإيمان.
واجعل لقلبك مقلتين كلاهما ... بالحق في ذا الخلق ناظرتان
فانظر بعين الحكم وارحمهم بها ... إذ لا ترد مشيئة الديان
وانظر بعين الأمر واحملهم على ... أحكامه فهما اذا نظران
واجعل لوجهك مقلتين كلاهما ... من خشية الرحمن باكيتان
لو شاء ربك كنت أيضا مثلهم ... فالقلب بين أصابع الرحمن
الشرح:
إذا كان اللّه عز وجل قد أجرى مقاديره على العباد وحكم فيهم بما شاء من كفر وإيمان، وهو مع ذلك قد أمرهم جميعا بالإيمان والطاعة، فيجب أن ينظر الانسان إلى الخلق تبعا لذلك بنظرين مختلفين، نظر بعين الحكم النافذ والقدر السابق، فيرجمهم ويرثي لهم لعلمه أن حكم اللّه وقدره لا راد له ولا دافع، ونظر بعين الأمر الشامل لجميع المكلفين، فيجاهدهم في ذلك ويغلط عليهم حملا لهم على أمر اللّه عز وجل وحكمه الديني، فهذان نظران مختلفان، ولا يلزم من ذلك الاختلاف التناقض، فإن جهة كل منهما مخالفة للآخر، وإنما يكون التناقض عند الاتحاد. ويجب على العبد كذلك عند نظره إلى اختلاف الناس في الهدي والضلال أن يستفرغ الدمع من عينيه باكيا من خشية اللّه عز وجل، شاكرا له نعمة الهداية والتوفيق، إذ لو شاء اللّه لكان هو أيضا مثلهم، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع اللّه عز وجل يقلبها كيف شاء ولهذا كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يكثر أن يقول في دعائه «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».
واحذر كمائن نفسك اللاتي متى ... خرجت عليك كسرت كسر مهان
واذا انتصرت لها فأنت كمن بغى ... طفي الدخان بموقد النيران

الصفحة 58