كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

آثارها مطموسة أعلامها، ففلق اللّه سبحانه بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم صبح الإيمان، فأضاء حتى ملأ الآفاق نورا، وأطلع به شمس الرسالة في حنادس الظلم سراجا منيرا، فهدى اللّه به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وبصر به من العمى وأرشد به من الغي، وكثر به بعد القلة، وأعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة، واستنقذ به من الهلكة، وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في اللّه حق جهاده وعبد اللّه حتى أتاه اليقين من ربه وشرح اللّه له صدره، ورفع له ذكره ووضع عنه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، وأقسم بحياته في كتابه المبين، وقرن اسمه باسمه فإذا ذكر ذكر معه كما في الخطب والتشهد والتأذين، فلا يصح لأحد خطبة ولا تشهد ولا أذان ولا صلاة حتى يشهد أنه عبده ورسوله شهادة اليقين، وصلى اللّه وملائكته وأنبياؤه ورسله وجميع خلقه عليه، كما عرفنا باللّه وهدانا إليه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فإن اللّه جل ثناؤه وتقدست أسماؤه إذا أراد أن يكرم عبد بمعرفته ويجمع قلبه على محبته شرح صدره لقبول صفاته العلى وتلقيها من مشكاة الوحي، فإذا ورد عليه شي ء منها قابله بالقبول وتلقاه بالرضا والتسليم وأذعن له بالانقياد فاستنار به قلبه واتسع له صدره وامتلأ به سرورا ومحبة، فعلم أنه تعريف من تعريفات اللّه تعالى تعرف به إليه على لسان رسوله، فأنزل تلك الصفة من قلبه منزلة الغذاء، أعظم ما كان إليه فاقة ومنزلة الشفاء أشد ما كان إليه حاجة، فاشتد بها فرحه، وعظم بها غناؤه، وقويت بها معرفته، واطمأنت إليها نفسه، وسكن إليها قلبه، فجال من المعرفة في ميادينها، وأسام عين بصيرته في رياضها وبساتينها لتيقنه بأن شرف العلم تابع لشرف معلومه، ولا معلوم أعظم وأجل ممن هذه صفته، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأن شرفه أيضا بحسب الحاجة إليه، وليست حاجة الأرواح قط إلى شي ء أعظم منها الى معرفة باريها وفاطرها ومحبته وذكره والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه والزلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان باللّه

الصفحة 6