كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

فإذا كان اللّه عز وجل قد تجلى بذاته لذاته في جميع هذه الصور والمتعينات فالهدى والإيمان في زعم هؤلاء المارقين أن تعبد وتعظم جميعا.
قالوا: وإنما ضل من ضل وكفر من كفر بتخصيص بعض هذه المظاهر بالعبادة دون بعض، فالكفر عندهم ليس هو عبادة غير اللّه، اذ ليس هناك غير، ولكنه ستر حقيقة المعبود بتخصيص بعض مجاليه بالعبادة دون البعض الآخر. وحكموا بإيمان فرعون وقالوا أنه كان يشاهد عين الحقيقة حين قال:
أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: 24] ولم يكن كاذبا في دعواه أنه هو اللّه، بل كان في أعلى مقامات التوحيد، ولذا كان أغراقه في البحر تطهيرا له من توهم الغيرية وحسبان الاثنينية.
قالوا ولم يك منكرا موسى لما ... عبدوه من عجل لذي الخوران
الا على من كان ليس بعابد ... معهم وأصبح ضيق الأعطان
ولذاك جر بلحية الأخ حيث لم ... يك واسعا في قومه لبطان
بل فرق الانكار منه بينهم ... لما سرى في وهمه غيران
الشرح:
كما افترى هؤلاء المارقين الكذب في شأن فرعون وخالفوا فيه صريح القرآن الذي نطق بموته على الكفر، وأنه لم ينفعه إيمانه حين أدركه الغرق وأن اللّه إنما نجاه ببدنه ليكون عبرة مائلة للأجيال من بعده، وأن اللّه أخذه نكال الآخرة والأولى، كذلك كذبوا في شأن موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام، فزعموا أن موسى عليه السلام لم يلم قومه على عبادة العجل ولم ينكرها عليهم، وأنما كان انكاره على من تحرج عن عبادته وضاق بها صدره، ولذلك أخذ بلحية أخيه يجره إليه حيث لم يتسع صدره لما فعله قومه، وأخذ ينكر عليهم ويحذرهم مغبة ذلك وسوء عاقبته، ويقول لهم: يا قوم انما فتنتم به وأن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري.

الصفحة 65