كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)
قالوا وانما وقع ذلك الانكار من هارون على قومه لما سرى في خاطره من معنى الغيرية، وكانوا هم أعلم منه بالحقيقة، حيث لم يشاهدوا الا اللّه وقت عبادتهم العجل «1». فانظر إلى كذب هؤلاء الدجاجلة المارقين حيث جعلوا الضلال هدى، ونسبوا الى كليم اللّه موسى الرضي بعبادة غير اللّه، وجعلوا عبدة العجل أعلم باللّه من نبي اللّه ورسوله هارون، كما جعلوا فرعون آنفا أعلم بالحق من موسى الكليم.
ولقد رأى إبليس عارفهم فأه ... وى بالسجود هوي ذي خضعان
قال له ما ذا صنعت فقال هل ... غير الاله وانتما عميان
ما ثم غير فاسجدوا أن شئتم ... للشمس والأصنام والشيطان
فالكل عين اللّه عند محقق ... والكل معبود لذي العرفان
هذا هو المعبود عندهم فقل ... سبحانك اللهم ذا السبحان
يا أمة معبودها موطوؤها ... أين الاله وثغرة الطعان
يا أمة قد صار من كفرانها ... جزء يسير جملة الكفران
الشرح:
يعني أن عارف هؤلاء الجاهلين وهو ابن عربي رأس الالحاد وأمام الزندقة رأى ابليس في زعمه فهوى بالسجود له في ذلة وخضوع، فلما أنكر عليه صاحباه ذلك الصنيع قال لهما موبخا: وهل غير الإله رأيت، أم قد عميت منكم العينان ليس هناك غير قط، فاسجدوا أن شئتم للشمس أو للأصنام، أو للشيطان، فإن الكل عين الحق والكل أهل للعبادة لشهود الحق فيه، عند أهل المعرفة.
__________________________________________________
(1) يقول ابن عربي في نصوصه «و كان موسى أعم بالأمر من هارون، لأنه علم ما عبده أصحاب العجل لعلمه بأن اللّه قد قضى أن لا يعبد الا اياه، وما حاكم اللّه بشي ء الا وقع، فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع في الأمر من انكاره وعدم اتساعه، فإن العارف من يرى الحق في كل شي ء بل يراه عين كل شي ء».