كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)
أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا
فإذا ما أبصرتني أبصرته ... واذ ما أبصرته ابصرتنا
وكان يرى قبحه اللّه أن الانسان إذا بلغ درجة من الصفاء والمحبة بالرياضة والمجاهدة فإنه يكون أهلا لان يحل اللّه فيه، ومن شعره في ذلك:
سبحان من أظهر ناسوته ... سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا ... في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقه ... كلحظك الحاجب بالحاجب
وقد أفتى علماء عصره بردته ووجوب قتله حين ظهر بتلك المقالة الشنيعة، فقتل لعنه اللّه.
و أما الفريق الثاني من القائلين بالحلول، وهم الذين تعرض المؤلف لذكر مذهبهم هنا فيرون أن اللّه عز وجل حال بذاته في كل جزء من أجزاء العالم، بحيث لا يخلو منه مكان، ويشبهونه- تعالى اللّه عما يقولون علوا كبيرا- بالهواء الذي يملأ الخلاء، ومع ذلك لا يراه أحد، ومنهم من يقول: أن هذا العالم جسم كبير، واللّه عز وجل هو الروح الكامنة في هذا الجسم المدبرة له، فهو سار في جميع أجزائه، كحلول الروح في البدن الانساني والحيواني.
و قد رد المؤلف على هؤلاء الحلوليين بأنهم حكموا على ربهم بالحلول في الأماكن القذرة، كالآبار والقبور والحشوش والأعطان، وبين أن هذا المذهب غير مذهب المعطلة الذين نفوا عن اللّه الجهة والحيز، وقالوا أنه لا داخل العالم ولا خارجه، وأن هؤلاء الحلولية قد حاموا حول ذلك القول، ولكنهم لم يجرءوا على إظهاره خوفا من عسكر الإيمان، وهم أهل السنة والجماعة وقد رد عليهم الامام أحمد وغيره بما بين فساد مقالتهم وشناعة نحلتهم.
و لا شك أن هؤلاء الحلولية خصوم ألداء لأهل السنة والجماعة الذين ينزهون ربهم عز وجل أن يكون حالا في شي ء من أجزاء العالم، ويؤمنون بأنه سبحانه