كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)
وهو الذي حقا على العرش استوى ... لكنه استولى على الأكوان
وإليه يصعد كل قول طيب ... وإليه يرفع سعي ذي الشكران
والروح والأملاك منه تنزلت ... وإليه تعرج عند كل أوان
وإليه أيدي السائلين توجهت ... نحو العلو بفطرة الرحمن
وإليه قد عرج الرسول فقدرت ... من قربه من ربه قوسان
الشرح:
يعني أن أهل السنة والجماعة قالوا لهذا السائل أن الذي تطلبه وتجد في البحث عنه، وتقول انك لم تجده في واحدة من الجهات الست هو في جهة الفوق، فهو العلي بذاته فوق عباده، وفوق السموات السبع، وفوق كل مكان من أمكنة هذا العالم الوجودية، وهو هناك مستو على عرشه استواء حقيقيا بمعنى العلو والارتفاع، لا كما يزعم الجهم وأتباعه من أن معنى استوائه على العرش هو استيلاؤه عليه، فإنه لا معنى لتخصيص العرش بذلك، اذ هو سبحانه مستول على جميع الأكوان التي من جملتها العرش، وإليه هناك يصعد كل قول طيب، ويرفع كل عمل صالح، كما قال تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10] ومن عنده تتنزل الملائكة والروح وإليه تعرج في كل الآنات وفي جميع الأوقات، كما قال تعالى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج: 4] وهو الذي إليه تمتد أيدي السائلين بالطلب في الدعاء، متجهة نحو العلو بفطرة اللّه الذي فطرها على رفع الأكف في الدعاء، وهو الذي عرج إليه الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه ليلة الإسراء، وتجاوز السبع طباق، وتناهى في القرب منه، حتى كان قاب قوسين أو أدنى ...
وإليه قد رفع المسيح حقيقة ... ولسوف ينزل كي يرى بعيان
وإليه تصعد روح كل مصدق ... عند الممات فتنثني بأمان
وإليه آمال العباد توجهت ... نحو العلو بلا تواصي ثان