كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

لفظية لا تفيد شيئا من اليقين، قد أعد التأويل جنة يتترس بها من مواقع سهام السنة والقرآن وجعل اثبات صفات ذي الجلال تجسيما وتشبيها يصد به القلوب عن طريق العلم والإيمان، مزجي البضاعة من العلم النافع الموروث عن خاتم الرسل والأنبياء لكنه ملئ بالشكوك والشبه، والجدال والمراء، خلع عليه الكلام الباطل خلعة الجهل والتجهيل، فهو يتعثر بأذيال التفكير لأهل الحديث، والتبديع لهم والتضليل، قد طاف على أبواب الآراء والمذاهب يتكفف أربابها، فانثنى بأخسر المواهب والمطالب، عدل عن الأبواب العالية الكفيلة بنهاية المراد وغاية الاحسان، فابتلى بالوقوف على الأبواب السافلة الملآنة بالخيبة والحرمان، وقد لبس حلة منسوجة من الجهل والتقليد والشبهة والعناد، فإذا بذلت له النصيحة ودعي إلى الحق أخذته العزة بالاثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد.
فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الإيمان، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن، وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان الى الرحمن، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان، والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان ولهذا أمر به تعالى في السور المكية حيث لا جهاد باليد انذارا وتعذيرا، فقال تعالى: فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً [الفرقان:
52].
و أمر تعالى بجهاد المنافقين والغلظة عليهم مع كونهم بين أظهر المسلمين في المقام والمسير، فقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ والْمُنافِقِينَ واغْلُظْ عَلَيْهِمْ ومَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمَصِيرُ [التحريم: 9].
فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبيائه ورسله وخاصته من عباده المخصوصين بالهداية والتوفيق والاتفاق، ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق، وكفى بالعبد عمى وخذلانا أن يرى عساكر الإيمان وجنود السنة والقرآن وقد لبسوا للحرب لأمته، وأعدوا له عدته، وأخذوا مصافهم ووقفوا مواقفهم، وقد حمي الوطيس ودارت رحى الحرب واشتد القتال وتنادت

الصفحة 8