كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 1)

و أما قوله: ووصفته الخ، فالمعنى انك وصفت الباري جل شأنه بصفات الحي من القدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، فإن كلها صفات تقتضيها الحياة، ووصفته كذلك بصفات الفاعل المختار من الرضي والغضب، والمحبة والكراهية، والمجي ء والاتيان والنزول الخ، وهذان الاصلان من الحياة الفاعلية بالاختيار هما أصل التفرق بين الناس في الباري جل شأنه، فدع ما تفرقوا فيه وبادر الى النفي والانكار في غير تهيب ولا جبن، وان لم تجرءوا على ذلك التحلل من ربقة الدين فلا تتلاعب به تلاعب هؤلاء المعطلة، فتنقض نفيا باثبات ليس يفترق عنه في شي ء، فإن اثبات ذات مجردة عن جميع الصفات والاسماء هو والنفي سواء، فالناس قد افترقوا على ثلاث فرق، معطلة عطلوا الذات عن جميع ما لها من صفات وأسماء، ومثبتة اثبتوا للذات كل ما اثبت اللّه ورسوله بلا تفريق بين صفة وصفة وفرقة تناقضت فاثبتت بعضا ونفت بعضا، ففرقت بين المتماثلين بلا دليل، أما أنا فلست واللّه برابع لهم، بل اختار لنفسي مذهب الحمير والثيران، فأعيش كما تعيش بلا عقيدة ولا إيمان.
فاسمع بإنكار الجميع ولا تكن ... متناقضا رجلا له وجهان
أو لا ففرق بين ما أثبته ... ونفيته بالنص والبرهان
فالباب باب واحد في النفي ... والاثبات في عقل وفي ميزان
فمتى أقر ببعض ذلك مثبت ... لزم الجميع أو ائت بالفرقان
ومتى نفى شيئا وأثبت مثله ... فمجسم متناقض ديصان
فذروا المراء وصرحوا بمذاهب ... القدماء وانسلخوا من الايمان
أو قاتلوا مع أمة التجسيم والتش ... بيه تحت لواء ذي القرآن
أو لا فلا تتلاعبوا بعقولكم ... وكتابكم وبسائر الأديان
فجميعها قد صرحت بصفاته ... وكلامه وعلوه ببيان
والناس بين مصدق أو جاحد ... أو بين ذلك أو شبيه أتان

الصفحة 89