كتاب شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية (اسم الجزء: 1)

والقصص الذي روي مرافقا لشعر قيل في زمن عمر بن الخطاب، قصص موضوع لا يصحّ. ومن ذلك زعمهم أن عمر سمع امرأة تنشد:
ألا سبيل إلى خمر فأشربها … أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج
فهذه القصة موضوعة، انظر تحقيقها في كتابنا «المدينة في فجر الإسلام والعصر الراشدي».
وفي قصة «سحيم عبد بني الحسحاس» أقوال كثيرة لا تصح، حيث زعموا أن عمر بن الخطاب سمع قصيدة سحيم التي مطلعها:
عميرة ودّع إن تجهزت غازيا … كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فقال عمر: لو قدّمت الإسلام على الشيب لأجزتك. فهذا لا يصح؛ لأن عمر لم يكن يجيز على الشعر، وإنما يعطي كلّ إنسان حقّه من العطاء السنوي. ثم إن القصيدة عامرة بالفسق والفجور ووصف المغامرات.
ويزعمون أنّ قومه قتلوه وأحرقوه - في زمن عثمان - وهذا لا يصحّ؛ لأنه لو ثبت عليه حدّ الزنا، فليس عليه إلا الجلد والتغريب، أو الرجم، فكيف يقتل ويحرق في العهد الراشدي.
ويزعمون أن سبب تعلّق عميرة به أن أنقذها من يهودي خطفها وحبسها في حصنه ... ولم يكن - زمن عمر، وزمن عثمان - يهود في المدينة.
وألغى ابن قتيبة عقله فقال:
«ويقال سمعه عمر بن الخطاب ينشد:
ولقد تحدّر من كريمة بعضهم … عرق على جنب الفراش وطيب
فقال له عمر: إنك مقتول. فسقوه الخمر ثم عرضوا عليه نسوة فلما مرت به التي كان يتهم بها أهوى إليها فقتلوه!» «الشعر والشعراء» ص 321. وهذا كذب ما كان له أن يرويه. فلو أنّ عمر سمعه يقول كذا؛ لنفاه عن المدينة، كما روي أنه نفى بعض الفجّار، وكيف يسقونه الخمر لاكتشاف من يتّهم بها من النساء والرجل

الصفحة 21