كتاب شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية (اسم الجزء: 1)

المجددين (أو الشعوبيين) يعيبون معاصريهم بالوقوف على الأطلال؛ لأن وقوفهم على الأطلال كان تقليدا - ولم ينقل عن هؤلاء المجددين أنهم عابوا الجاهليين لوقوفهم على الأطلال؛ لأن وقوفهم على الأطلال كان جزءا من حياتهم وبيئتهم.
فقال أبو نواس:
مالي بدار خلت من أهلها شغل … ولا شجاني لها أهل ولا طلل
يريد أنه لم يتعلق قلبه بأطلال ليذكرها في شعره، ومعنى هذا أن الجاهليين إنما ذكروا الأطلال لصلتها بذكرى الأحبّة.
وقال بشار بن برد - وفيها دليل على إيمانه بالبعث -:
كيف يبكي لمحبس في طلول … من سيبكي لحبس يوم طويل
إنّ في البعث والحساب لشغلا … عن وقوف برشم دار محيل
... وهو بهذا يعيب الشعراء المسلمين الذين يقفون على الأطلال.
* ومما يدلّ على أن ذكر الجاهليين الأطلال كان حقيقيا يتصل بذكريات واقعة، أنّ أسماء النساء المذكورات في الشعر إنما هي لنساء لهنّ وجود حقيقيّ: فعنترة يقول:
يا دار عبلة بالجواء تكلمي … وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
وعبلة حقيقة واقعة في حياة عنترة.
و «خولة» صاحبة طرفة بن العبد التي ذكرها بقوله: «لخولة أطلال ببرقة ثهمد ...» قال الشّرّاح: خولة امرأة من بني كلب. وقالوا: إن «أم أوفى» في شعر زهير هي زوجه، و «هريرة» صاحبة الأعشى قينة كانت لرجل من آل عمرو.
* والبكاء على الأطلال أقدم من الشعر الذي وصلنا، وليس امرؤ القيس أول من وقف واستوقف، وبكى واستبكى على الأطلال كما يزعمون؛ لأن امرء القيس يقول:
عوجا على الطلل المحيل لعلّنا … نبكي الديار كما بكى ابن خذام

الصفحة 36