كتاب شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية (اسم الجزء: 1)

عمر بن الخطاب: «من أفضل ما أوتيت العرب الشعر، يقدّمه الرجل أمام حاجته، فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم». وإذا كانت أبيات المديح هي الطلب المباشر، أو تضمنت الطلب، فإن ما يسبق المديح تمهيد للطلب. وقد اصطلح الناس وتعارفوا على أن هذا الأسلوب في التمهيد هو الأسلوب المرغوب فيه، فاتبعوه.
ب - إن وصف الراحلة والطريق ليس مصطنعا ولا متخيلا؛ لأنه يغلب على الشعراء المادحين أن يأتوا إلى الممدوحين من مكان بعيد. ووصف طريق الرحلة والراحلة يحقق الشاعر منه هدفا فنيّا نفعيّا: أما الهدف الفني، فهو تهييج القريحة الشعرية لتصل إلى ذروة عطائها في أبيات المدح، فيكون بمنزلة «التسخين» الذي يقوم به الرياضي قبل المباراة. ومن الهدف الفني إمتاع الممدوح بعرض صور فنيّة مما يوجد في الصحراء العربية، قد يكون متشوقا لرؤيتها، حيث يتضمن الوصف صورا للحيوانات الصحراوية، وطبائعها، وأحوالها مع الصائدين. وربما كان هناك سؤال يجب على الشاعر أن يجيب عنه وهو: كيف وصلت إلينا وكيف كانت الطريق، وماذا رأيت في طريق الرحلة؟
وأما الهدف النفعي: فهو استدرار عطاء الممدوح، لما لقيه في الطريق من أهوال قطعها إليه، وكلما اشتدّ عناء الشاعر، زاد الأمل في العطاء؛ لأن قطع المسافات الطويلة إلى الممدوح يرفع مقامه، ويجعله متفرّدا في صفات الكرم، وكأنه يقول للممدوح: ذكرك في الكرم والجود وصل إلى الأماكن القاصية، وليس في الربوع من يجود غيرك.
ج - رأينا فيما سبق الصلة الوثيقة بين وصف الطريق والراحلة، وبين موضوع المدح ... وليس من الصعب أن تربط بين المقدمة الطللية الغزلية وبين باقي القصيدة. ربما نقول: إنّ المقدمة الطللية نوع من الإثارة الشاعرية، وليس هناك أقدر على الإثارة من التعبير عن المشاعر الذاتية.
وربما تقول: إن الشاعر عند ما تحدث عن ذكرياته الذاتيّة اللصيقة بموطنه، ومرابع القبيلة، أراد أن يقول للممدوح:
إنني خلّفت موطن الذكريات العزيزة إلى

الصفحة 40