كتاب شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية (اسم الجزء: 1)

أقول: إن كلّ بيت من الأبيات السائرة يؤدي معنى منفردا، ولكنك إذا حذفته، أو غيرت ترتيبه اختل التسلسل
المعنوي، واقرأ قول الحطيئة في سياق هجاء الزبرقان، ورفع مقام «بغيض»:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها … واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه … لا يذهب العرف بين الله والناس
وقول أبي ذؤيب في سياق رثاء أولاده:
والنفس راغبة إذا رغبتها … وإذا تردّ إلى قليل تقنع
وقول لبيد في سياق رثاء أخيه أربد:
وما المال والأهلون إلّا ودائع … ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع
فمع أن هذه الأبيات من سوائر الأمثال، إلا أن سياق القصيدة لا يستغني عنها.
بل إن البيت يكتسب معنى زائدا، إذا قرئ في سياقه، وهذا يدل على أن البيت مربوط بالقصيدة، ودلالته على معنى منفرد، مع ارتباطه ميزة فنية تحسب في محاسن القصيدة.
* وأما أبيات الشواهد النحوية: فإنها تنشد في كتب النحو لتكون حجة للقواعد النحوية، فإذا أنشدتها في باب الأدب نقص معناها، أو اختلّ. ولعلّ سائلا يقول:
وهل ينفصم الأدب عن النحو، أو ينفصل النحو عن الأدب؟ الجواب: إن الشعراء يعدّون النحو موجّها لأساليبهم؛ لأنهم يقولون للإفهام والتأثير. والقارئون والسامعون موجّهون بما عهدوا من قواعد النحو، ولكن مع ذلك، ليست القواعد النحوية هي المتفرّدة بإحداث التأثير الأدبي، بل هناك عوامل أخرى تدخل في باب البلاغة وعلم المعاني.
وأما النحويون: فإنهم لا يعيرون الناحية الأدبية كثيرا من الرعاية عند ما يستشهدون بأبيات الشعر، وذلك راجع إلى طبيعة صنعتهم، وما يرغبون فيه لبناء القواعد عليه. وقد سجّلت على حاشية الشواهد النحوية الملاحظات التالية:

الصفحة 42