كتاب شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية (اسم الجزء: 1)

للكميت بن زيد، ومسجدا الله: أراد بهما مسجد مكة ومسجد المدينة زادهما الله شرفا، وأراد بالحصى: العدد الكثير من الناس، والقبص: بكسر القاف، والصاد المهملة أصله مجتمع النمل الكبير الكثير، ثم أطلق على العدد الكثير من الناس.
والشاهد: من بين أثرى وأقترا، فإن هذا الكلام على تقدير اسم موصول قبل أثرى واسم موصول آخر قبل أقترا. وأصل الكلام، من بين من أثرى ومن أقتر، فحذف الموصولين وأبقى صلتهما، ولا يصح الكلام على حذف موصول واحد لأنه يريد من جميع الناس مثريهم وفقيرهم، ومثله قول حسان رضي الله عنه:
أمن يهجو رسول الله منكم … ويمدحه وينصره سواء؟
التقدير: أمن يهجو رسول الله ومن يمدحه سواء، ولا يجوز أن نجعل جملة يمدحه وجملة «ينصره» معطوفتين على جملة «يهجو» لأنه يلزم عليه أن يكون الذي يهجوه والذي يمدحه واحدا، وهذا غير صحيح. ولكن كثيرا من أهل الأدب يروون بيت حسان، هكذا:
فمن يهجو رسول الله منكم ... البيت.
أوله «من» بدون همزة الاستفهام، ويقول النّقاد: إنه من الهجاء المؤلم لأن الشاعر يقرر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا يضرّه هجاؤهم، ولا ينفعه مدحهم ونصرهم، فالهجاء والمدح سواء في جنب رسول الله إذا كان من المشركين، لأن الرسول عليه السّلام مدحه الله تعالى وحماه، فلا يضرّه هجاء المشركين له، ولا يزيد مدح المشركين له في منزلته، أو أن الشاعر يفخر بقومه الأنصار الذين آووا رسول الله فيقول: إنه لا يضره هجاء المشركين، ولا ينفعه مدحهم ونصرتهم، بعد أن كان له من الأنصار ما كان. والدليل على صحة هذا التأويل، أن
الشاعر قال في الشطر الأول «منكم» يعنى من المشركين، وكذلك الذي يمدحه وينصره من المشركين، قلت: ورواية (من يهجو) بدون استفهام، أقوى من رواية الاستفهام، لأن فيها تبكيتا للمشركين وتصغيرا من شأنهم، وهذا البيت نقوله أيضا لأهل الكفر في كلّ زمن، ونردّ به على المؤلّفين المسلمين الذين يستشهدون بأقوال الأوربيين والمستشرقين الذين مدحوا (عبقرية) محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأثر رسالته في المجتمع العربي، لأنّ مدح الكافرين محمدا صلّى الله عليه وسلّم لا يزيد المؤمنين إيمانا، وذمه لا ينقص إيمان المؤمن، فليس بعد مدح القرآن مدح، وليس بعد تصديق القرآن له من تصديق،

الصفحة 439