كتاب التبصرة لابن الجوزي (اسم الجزء: 1)
من رزقك، وعد علينا في كل حال برفقك، وانفعني بما أقول والحاضرين من خلقك برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} .
" إذ " كلمة جعلت لما مضى من الأوقات، فكأنه قال اذكر ذلك الوقت. والملائكة واحدهم ملك والأصل ملأك وأنشد سيبويه:
(فلست بإنسي ولكن لملأك ... تنزل من جو السما يصوب)
ومعنى ملأك: صاحب رسالة. يقال مألكة وملأكة.
واختلف العلماء ما المقصود بإعلام الملائكة بخلق آدم عليه السلام على تسعة أقوال:
أحدها: أنه أراد إظهار كبر إبليس، وكان ذلك قد خفي على الملائكة لما يرون من تعبده. رواه الضحاك، عن ابن عباس.
والثاني: ليبلو طاعة الملائكة، قاله الحسن.
والثالث: أنه لما خلق الله تعالى النار جزعت الملائكة، فقال: هذه لمن عصاني فقالوا: أو يأتي علينا زمان نعصيك فيه؟ فأخبرهم بخلق غيرهم. قاله ابن زيد.
والرابع: أنه أراد إظهار عجزهم عما يعلمه لأنهم قاسوا على حال من كان قبل آدم.
والخامس: أن الملائكة التي طردت الجن من الأرض قبل آدم أقاموا في الأرض يعبدون، فأخبرهم أني جاعل في الأرض خليفة ليوطنوا أنفسهم على العزل.
والسادس: أنهم ظنوا أن الله لا يخلق خلقاً أكرم منهم، فأخبرهم بما يخلق.
الصفحة 22
512