كتاب التبصرة لابن الجوزي (اسم الجزء: 1)
وَحْيٌ أَنْزَلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ عَلَى قَلْبِ النَّبِيِّ، يَرْزُقُ النَّمْلَ فِي الرَّمْلِ وَالْفَرْخَ فِي الْعُشِّ، وَيَبْعَثُ الْمُزْنَ بِالْوَبْلِ وَالْوَدَقِ وَالطَّشِّ، خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، لا كَاسْتِوَاءِ الْبَشَرِيِّ.
يُحَاسِبُ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِصَاصِ، وَيَسْأَلُ عَنْ خَفِيِّ الرِّيَاءِ وَدَقِيقِ الإِخْلاصِ، وَيَتَجَلَّى فِي الْجَنَّةِ لأَهْلِ الْخَلاصِ فَيَلْحَقُهُ الرَّائِي وَيَا عِزَّةَ الْمَرْئِيِّ، بِيَدِهِ مُلْكُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَإِذَا أَجْمَعَ الْخَلائِقَ لِيَوْمِ الْعَرْضِ، حَارَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، وَانْقَضَتْ مَشِيدَاتُ الْمَبْنِيِّ.
مَوْصُوفٌ بِالرِّضَا وَيُحْذَرُ مِنْهُ السَّخَطُ، مَعْرُوفٌ بِالْكَرَمِ فَإِيَّاكَ وَالْقَنَطَ، شَرَطَ عَلَيْكُمُ التَّقْوَى فَقُمْ بِالَّذِي شَرَطَ، فَإِنَّهُ لا يَنْسَى أَجْرَ التَّقِيِّ.
لا يَخْفَى عَلَيْهِ خَائِنَةُ اللَّحْظِ، وَلا يَحْتَجِبُ عَنْ سَمْعِهِ خَفِيُّ اللَّفْظِ، وَقَدْ نَزْجُرُكَ عَنِ الْخَطَايَا بِأَبْلَغِ الْوَعْظِ، وَنَنْهَاكَ بِالْعَقْلِيِّ وَالْحِسِّيِّ، تَنَزَّهَ عَنِ الْعُنْصُرِ وَالْمِزَاجِ وَالطَّبْعِ، وَتَقَدَّسَ عَنِ الْجَوَارِحِ وَإِنْ وُصِفَ بِالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ، وَلا تُعْرَفُ صِفَاتُهُ إِلا بِالنَّقْلِ وَالسَّمْعِ، لا بِرَأْيِ الْبِدَعِيِّ.
قَضَى بِالْقَضَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْخَلْقِ وَفَرَغَ، وَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ وَالزَّمَنُ النَّزْرُ قَدْ فَرَغَ، لِيُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَهُوَ الْمَكْتُوبُ الْمَسْمُوعُ الْمَعْرُوفُ، الْمَحْفُوظُ الْمَتْلُوُّ الْمَأْلُوفُ، وَالْمُتَكَلَّمُ بِهِ بِالْكَلامِ مَوْصُوفٌ، تَنَزَّهَ عَنِ الْجِرْسِ وَالْعِيِّ. مَسْطُورٌ فِي الصَّحَائِفِ وَالأَوْرَاقِ، مُنَزَّلٌ مِنَ الْمَلِيكِ الْخَلاقِ، أَنْزَلَهُ مِنْ فَوْقِ السَّبْعِ الطِّبَاقِ عَلَى الرَّسُولِ الأُمِّيِّ، كِتَابٌ مُعَظَّمٌ مُبَارَكٌ لا يُدَانِي فِي لَفْظِهِ، وَلا يُشَارِكُ بِكَشْفِ نُورِهِ، كُلَّمَا تَدَارَكَ عَنْ بَصَرِ الْبَصِيرَةِ عَمِيَ الْعُمْيُ، نَزَلَ بَِأَمْرِ الْمَلِكِ الْجَلِيلِ عَلَى النَّبِيِّ النَّبِيهِ النَّبِيلِ، وَسُهِّلَتْ تلاوته أي تسهيل حَتَّى عَلَى الصَّبِيِّ، بِهِ فَاقَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى الأُمَمِ، وَبِهِ نُشِرَ لِهَذَا الْعَالَمِ الْعِلْمُ، وَمِنْ حِكْمَتِهِ هَطَلَتْ عَلَى الْقُلُوبِ دِيَمٌ فَاهْتَزَّتْ وَرَبَتْ بِالرِّيِّ، فَرُكِّبَ فِيهَا أَغْرَاسُ الإِيمَانِ، وَأَوْرَقَتْ أَغْصَانُ الإِيقَانِ، وَانْحَلَّتْ مَعُوصَاتُ الإِشْكَالِ بِالْبَيَانِ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى فَهْمِ الأَعْجَمِيِّ.
الصفحة 477