كتاب تاريخ الجزائر المعاصر (اسم الجزء: 1)

التوقعات وقادت، بالفعل، إلى شل المنظمة الخاصة واعتقال المئات من إطارتها ومن مناضليها كما أشرنا إلى ذلك.
ولمواجهة كل تلك المستجدات وحماية صفوف الحزب من أن تنتقل إليها
حملة الاعتقالات قرر المكتب السياسي التحرك على جبهتين. فمن جهة نظم حملة إعلامية لاتهام السلطات الاستعمارية بأنها تحيك خيوط مؤامرة دنيئة من أجل التنكيل بمناضلي الحركة الوطنية، وتدعيماً لصحافة الحزب، وقع تجنيد سائر منتخبي الحركة من أجل انتصار الحريات الديموقراطية الذين وظفوا كل المنابر الرسمية للتنديد بالاعتقالات وبعمليات التعذيب. إن هذه الجبهة قد حققت انتصاراً ملموساً إذ تمكنت من أن تعبئ عدداً من الصحف والشخصيات الأوربية التقدمية بالإضافة إلى التشكيلات السياسية الجزائرية التي شاركت بفعالية في التصدي للإجراءات البوليسية التي اتخذتها الإدارةالاستعمارية (108).
أما الجبهة الثانية التي تحرك عليها المكتب السياسي فتتعلق بالعمل في اتجاه المعتقلين قصد إقناعهم بالتراجع عن تصريحاتهم الأولى وعدم الاعتراف بوجود المنظمة الخاصة. ولقد وجد الحزب صعوبة كبيرة في تمرير هذه الأوامر، لأن عدداً من إطارات المنظمة الخاصة كانوا يرون فيها محاولة من القيادة السياسية للتخلص منهم حتى يخلو لها الجو فتركن إلى الراحة في إطار لعبة المشاركة في الانتخابات. وفي شهر مايو قرر المكتب السياسي حل المنظمة الخاصة على أن يعاد تشكيلها بعد أن تهدأ الأوضاع.
وفي خضم تلك النشاطات السياسية المكثفة تبلور تفسير جديد للأسباب التي قادت إلى تفكيك المنظمة الخاصة بتلك السرعة وتلك السهولة. صاحب هذا التفسير هو السيد حسين لحول الذي نبه قيادة الأركان موجهاً أصابع الاتهام إلى جيلالي بالحاج عبد القادر الذي ألقي عليه القبض في مستهل شهر مارس ثم أطلق سراحه، وأكد لها ضرورة الاحتياط مما يكون قد أدلى به لصالح البوليس الفرنسي. إن مثل هذه المعلومة تخفف من مسؤولية المجموعة التي أنجزت عملية تبسة، لأن جيلالي بالحاج كان مسؤولاً وطنياً والمعلومات التي بحوزته تشمل كافة أنحاء الوطن، ونحن نعرف أن الاعتقالات مست سائر أنحاء البلاد، وأن السيد جيلالي، بعد خروجه من السجن، اعتزل النشاط السياسي، وفي أثناء الثورة تحول إلى عميل للاستعمار وأسس جيشاً لمحاربة جبهة التحرير الوطني لكن الولاية الرابعة استطاعت أن تخرق صفوفه وأن تؤلب عليه أنصاره الذين تمكنوا منه وقتلوه في نواحي الشلف سنة 1958.

الصفحة 185