كتاب تاريخ الجزائر المعاصر (اسم الجزء: 1)

استطاعت أن تنفذ بسرعة وبحكمة إلى جميع الأوساط الشعبية، وتمكنت من نشر الوعي اللازم لجر الجماهير الواسعة إلى العمل الثوري بكل أنواعه ومن إقناعها بضرورة الإقدام على التضحية القصوى في سبيل استرجاع الاستقلال الوطني الكامل، لأجل ذلك فإنها لم تبق مكتوفة الأيدي بل لجأت إلى كل ما لديها من إمكانيات مادية وبشرية قصد التخطيط لقمع منظم وإبادة جماعية بقي التاريخ يحفظ أنها أودت بحياة حوالي ثمانين ألف جزائري وتسببت في هدم وتخريب ما يزيد عن مائة من القرى والمداشر، بالإضافة إلى كل ما خلفته من أيتام وأرامل وآفات اجتماعية متعددة وبالإضافة، أيضاً، إلى تشغيل الأفران المحرقة خاصة في نواحي مدينة قالمة.
وعلى الرغم من كل ما نشر حول الموضوع، حتى الآن، فإن نتائج القمع الرهيب لم تضبط بدقة وبصفة نهائية، لكن الذي لا يعتريه أدنى شك هو أنها تأتي في مقدمة جرائم الحرب المرتكبة ضد الإنسانية قبل غيرها من الجرائم التي تحظى اليوم، بعناية المؤرخين ورعاية الدول العظمى والمنظمات الدولية وخاصة منها منظمة الأمم المتحدة.
ومن الجدير بالذكر أن الحزب الشيوعي الفرنسي، بصفته شريكاً فعلياً وقوياً في حكومة الجنرال ديغول، يومها، يتحمل أكبر جزء من المسؤولية. والغريب أن قيادته لا تنكر ذلك، بل إن محفوظاتها الرسمية تؤكد أنها كانت، منذ اللحظات الأولى، قد طالبت "بتسليط أشد العقوبات على منظمي التمرد وأعوانهم ممن قادوا المظاهرات" (19).
وركب الحزب الشيوعي الجزائري موجة رائدة، فراح يكيل الاتهامات لاطارات حزب الشعب الجزائري محملاً إياهم مسؤولية إراقة الدماء، ومدعياً أنهم يعملون في ركاب النازية ويطبقون تعليمات هتلر "التي لا تخدم سوى مصالح الاقطاعيين الذين ينادون بالانفصال عن فرنسا" (20).
وإذا كان السيد عمار أوزقان الذي كان أميناً وطنياً للحزب، في ذلك الوقت، قد كتب في ليبرتي يصف قادة حزب الشعب الجزائريين "بالمجرمين عملاء الفاشية والمغامرين الذين أسقطوا قناع المسلمين والوطنيين المزيفين" فإن السيد كاباليرو وهو أمين وطني آخر، لم يجد مانعاً من اتهام المطالبين باسترجاع الاستقلال الوطني "بالعمالة للامبريالية عن وعي أو بكيفية غير واعية" (21).
من هذا المنطلق، فإن قيادة الحزب الشيوعي الجزائري كانت تنكر على

الصفحة 229