كتاب تاريخ الجزائر المعاصر (اسم الجزء: 1)

حركة مايو 1954 طابعها الثوري وتحصرها، فقط، في إطار التظاهر من أجل الخبز، ولأجل ذلك فهي ترى أن الجرائم المرتكبة من طرف الإدارة الاستعمارية نوعاً من الدفاع عن السيادة الوطنية، وتقر أن أفراد الميليشيا ومصالح الشرطة والأجناد على اختلاف وحداتهم لم يتجاوزوا حدود ما كان مطلوباً منهم. وحتى بعد مرور الزمن، فإن الشيوعيين قد ظلوا متمسكين بموقفهم الخاطئ والقائل "لا وجود لثورة عربية، بل هي مؤامرة فاشية .. ولقد أشار الحزب، يومها، إلى ما يجب فعله ليعم الأمن في الجزائر أي: تزويد السكان المسلمين بالغذاء وتشديد العقاب على القتالين الهتليريين الذين ساهموا في أحداث الثامن مايو، واعتقال المسؤولين الحقيقيين الذين كانوا بالأمس يزودون "رومل" بما يحتاج إليه" (22).
****
ظل الحزب الشيوعي الجزائري، هكذا، في غيه بعيداً كل البعد عن الحقيقة، ومجانباً للواقع الجزائري يلهث فقط وراء نظريات الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان بدوره، تابعاً كلية للحزب الشيوعي السوفياتي. وعلى هذا الأساس يقول أمينه العام السيد العربي بوهالي: "كان الشيوعيون، في الجزائر، يعيشون في عزلة عن الحركة النضالية بل وفي تناقض معها" (23). لكن نهاية الحرب الامبريالية وما نتج عنها من تطورات على الساحة الدولية جعلت فرنسا تميل إلى العالم الرأسمالي على حساب المعسكر الاشتراكي وتباعاً خرج الشيوعيون من السلطة خاصة بعد انسحاب الجنرال ديغول. كل ذلك مضافاً إلى نتائج حركة مايو الثورية التي أثبتت تجذر الحركة الوطنية في الجزائر، وإقدام أغلبية الشعب الجزائري على انضوائه تحت لوائها، أدى بقيادة الحزب الشيوعي الجزائري إلى إعادة النظر في سائر المواقف الشيوعية وإلى تقييم المراحل المقطوعة منذ بداية الثلاثينات، وهو العمل الذي جاء مجسداً في نداء يحمل تاريخ 21/ 7/1946.
وأهم ما ورد في ذلك النداء "أن الحزب الشيوعي الجزائري هو الحزب الوحيد الممثل للأمة الجزائرية التي هي في طور التكوين" (24). وعلى هذا الأساس فهو يرى أن الحل الأوحد والأكثر ديموقراطية بالنسبة للقضية الجزائرية إنما يتمثل في تحويل الجزائر إلى "شريك لفرنسا في إطار الاتحاد الفرنسي".
وعلى الرغم من الأسلوب الجديد في المعالجة، فإن الحزب الشيوعي لم

الصفحة 230