كتاب تاريخ الجزائر المعاصر (اسم الجزء: 1)

أما في الأساس، فإن الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية وحمايتها لم تأت بما من شأنه أن يدفع الشعب الجزائري في طريق استرجاع الاستقلال الوطني وذلك لسبب بسيط هو أن الشركاء لم يكونوا ينطلقون من أرضية واحدة ولا متشبعين بفكر واحد، كما أنهم، والحال هذه، لم يكونوا يعطون المفاهيم والمصطلحات نفس المعنى ولا للأهداف المعلن عنها نفس المغزى ونفس التفسير.
فأطراف الحركة الوطنية، رغم اختلاف وجهات النظر، ينطلقون من عمق حضاري واحد يؤمنون بأنه قادر على تمكينهم من تعبئة الطاقات الحية في البلاد وتوعيتها بضرورة النضال في سبيل استرجاع المغتصبات وبناء المستقبل على أسس تختلف كل الاختلاف عن واقع فرنسا سواء كانت استعمارية أم لا، أما الحزب الشيوعي الفرنسي، فإنه كان يتنكر للعمق الحضاري المشار إليه وكان يرفض انتساب الشعب الجزائري للعروبة، ويرى أن مستقبل الجزائر لا يكون إلا في إطار الاتحاد الفرنسي الذي لا بد أن يدخل، بدوره فلك الاتحاد السوفياتي الذي يسعى لحماية الطبقة الشغيلة وفرض دكتاتورية البروليتارية في العالم.
وبينما كان الحزب الشيوعي الجزائري يرفع شعار الديموقراطية معتقداً بالإمكان وإقامة الجمهورية الجزائرية الديموقراطية في إطار الانتساب لفرنسا المتحررة من الاستعمار والامبريالية والتابعة في سياستها الخارجية إلى الاتحاد السوفياتي، ويرى أن مفهوم الديموقراطية لا يتعدى الاعتراف بتعايش الأجناس في الجزائر وبرفض الإسلام كدين للدولة "لأنه يمنع الجزائريات والجزائريين من تناول المشروبات الكحولية كيفما يشاؤون وفي أي مكان يريدون"، فإن أطراف الحركة الوطنية جميعها متمسكة بالإسلام وتدعو إلى اتخاذ جميع الإجراءات لإحترام تعاليمه وتطبيقها، وهي تذكر، في جميع المناسبات، بأن الدين المحمدي يرعى
سائر الحريات ويرفع الانسان إلى أعلى الدرجات ويشتمل في نصوصه الأساسية على ضرورة تطبيق العدالة الاجتماعية وتحرير العقل وإشراك الناس في تسيير شؤونهم بأنفسهم على أساس الشورى والطاعة والانضباط والحوار واحترام الآخر. وفيما يخص الديموقراطية فإن أطراف الوطنية تخضع ممارستها إلى توفر مجموعة من الشروط أهمها استرجاع السيادة والاستقلال كاملين إذ لا يعقل أن يكون ديموقراطياً من كان يعيش في ظل الآخرين وعالة عليهم أو مستغلاً من طرفهم.
ولأن الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية وحمايتها لم تبن على وحدة

الصفحة 239