كتاب تاريخ الجزائر المعاصر (اسم الجزء: 1)

فكرية أو تقارب أيديولوجي فإنها لم تصمد لأول هزة أصابتها بعد شهرين من ميلادها فقط، ذلك أن قيادة الجبهة قررت عدم المشاركة في انتخابات أكتوبر الجهوية احتجاجاً على قرار السلطات المعنية بصحة انتخابات يوليو سنة 1951 التي أجمعت الأحزاب، بالأدلة الملموسة، على أنها مزيفة. لكن الحزب الشيوعي الفرنسي رأى من الأليق بالنسبة للحزب الشيوعي الجزائري أن يدخل المعركة الانتخابية فأمره بذلك ودفعه إلى تقديم مرشحيه في الوقت القانوني وهو ما فعل ضارباً عرض الحائط قرار الجبهة الذي شارك في اتخاذه، وبهذا التصرف تسبب في هدم البناء الذي طالما دعا لإقامته وقدم الدليل على أنه لم يكن حزباً وطنياً بل تشكيلة سياسية تابعة للحزب الشيوعي الفرنسي. والغريب في الأمر أن مشاركته في الانتخاب كانت خيبة أمل إذ لم يحصل منها سوى على مقعد واحد على مستوى الجزائر بأكملها.
هكذا، إذن، خرج الحزب الشيوعي الجزائري من الصف الوطني الذي لم يبق فيه سوى حوالي شهرين ولم يكن خروجه خسارة بالنسبة لأطراف الحركة الوطنية الذين قرروا مواصلة توظيف الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية وحمايتها كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
وعندما نفذت أوامر الحزب الشيوعي الفرنسي، فإن قيادة الحزب الشيوعي الجزائري كانت تعتقد أنها ترضى العنصر الأوروبي في الهياكل القاعدية وتخفف من سخط المجموعة الانتخابية الأولي التي صارت تتهمها بالتواطئ مع المتطرفين ودعاة الانفصال عن فرنسا، لكن الواقع أثبت أن ذلك لم يتحقق لها بينما خسرت ثقة أغلبية العنصر العربي الذي راح يبحث عن مكان له في صفوف التشكيلات الوطنية، وتسببت، مع مر الأيام، في تجذر العداء بين العنصرين حتى إن المسؤولين عن التنظيم أصبحوا يوصون بضرورة فصل خلايا المسلمين عن خلايا الأوربيين ويستعملون لغة مزدوجة في تنشيط الحياة السياسية وهو الأمر الذي سيقود بالتدريج، إلى انسحاب الأغلبية الساحقة من المناضلين والإطارات الجزائريين.
وحينما اندلعت ثورة نوفمبر سنة 1954، كان الحزب الشيوعي الجزائري قد بلغ منتهى ضعفه لكنه ظل متمسكاً بقناعاته القديمة التي ألبسها ثوباً جديداً قصد تمريرها بسهولة في أوساط الجماهير الشعبية وقصد مخادعة التاريخ.
واليوم، فإن إطارات الحزب الشيوعي الجزائري يعملون جاهدين على تبرير موقف حزبهم المتخاذل من نضال الحركة الوطنية الجزائرية ومن ثورة

الصفحة 240