كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

ما يصيبهم من المكروه عطف كما قال التفتازاني على ولنبلونكم عطف المضمون على المضمون أي: الابتلاء حاصل لكم وكذا البشارة لكن لمن صبر، ثم بينهم بقوله:
{الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا} عبيداً وملكاً {وإنا إليه راجعون} في الآخرة والمصيبة تعمّ ما يصيب الانسان من مكروه لقوله صلى الله عليه وسلم «كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة» وعن أمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم ورضي عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مصيبة تصيب عبداً فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهمّ اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف عليه خيراً منها» قالت: فلما توفي أبو سلمة استرجعت الله لي فقلت: اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها قالت: فأخلف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: «من استرجع عند المصيبة جبر الله تعالى مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه» ، وقال سعيد بن جبير: ما أعِطى أحد ما أعطيت هذه الأمة يعني الاسترجاع ولو أعطيها أحد لأعطى يعقوب في قصة فقدِ يوسف ألا تسمع إلى قوله: {يا أسفاً على يوسف} (يوسف، 84) وليس الصبر بالإسترجاع باللسان بل باللسان مع القلب بأن يتصوّر ما خلق لأجله، فإنه راجع إلى ربه ويتذكر نعم الله عليه، فيرى ما أبقى عليه أضعاف ما استردّه منه، فيهوّن على نفسه ويستسلم لربه، والمبشر به محذوف دلّ عليه.

{أولئك عليهم صلوات} أي: مغفرة {من ربهم ورحمة} أي: لطف وإحسان والصلاة في الأصل من الآدمي أي: ومن الجنّ تضرّع ودعاء، ومن الملائكة إستغفار، ومن الله تعالى رحمة مقرونة بتعظيم وجمع الصلاة للتنبيه على كثرتها كالتثنية في لبيك بمعنى لا انقطاع لمغفرته {وأولئك هم المهتدون} إلى الصواب حيث استرجعوا وسلّموا لقضاء الله تعالى.
قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: نِعم العدلان ونعمت العلاوة، والعدلان الصلاة والرحمة، والعلاوة: الهداية، وقد ورد أخبار في ثواب أهل البلاء وأجر الصابرين منها أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من يرد الله به خيراً يصب منه» ومنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همّ ولا غم ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه» ومنها: أن امرأة جاءت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وبها لمم، فقالت: يا رسول الله ادع الله تعالى أن يشفيني فقال: «إن شئت دعوت الله أن يشفيك، وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك قالت: بل أصبر ولا حساب عليّ» . ومنها: «أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن أشدّ الناس بلاءً قال: «الأنبياء والأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً ابتلى على قدر ذلك، وإن كان في دينه رقة هوّن عليه، فما زال كذلك حتى يمشي على الأرض ما له ذنب» ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنّ الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» . ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة» . ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المؤمن كمثل الزرع لا يزال الريح يثنيه ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد» . ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «عجب للمؤمن إن أصابه خير حمد الله

وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر، فالمؤمن يؤجر في كل أمره» .

الصفحة 106