كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

مدّها أو بسطها وسعتها وما يرى فيها من الأشجار والأنهار والجبال والبحار والجواهر والنبات وغير ذلك.
{واختلاف الليل والنهار} أي: تعاقبهما في المجيء والذهاب يخلف أحدهما صاحبه إذا ذهب أحدهما جاء الآخر خلفه أي: بعده قال تعالى: {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة} (الفرقان، 63) قال عطاء: أراد اختلافهما في النور والظلمة، والزيادة والنقصان، والليل: جمع ليل، والليالي: جمع الجمع، والنهار: جمع نهر. وقدّم الليل على النهار في الذكر؛ لأنه أقدم قال تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} (يس، 37) {والفلك} أي: السفن {التي تجري في البحر بما ينفع الناس} من التجارة والحمل، والآية فيها تسخيرها وجريانها على وجه الماء وهي موقورة لا ترسب تحت الماء.

تنبيه: أنث الفلك؛ لأنه بمعنى السفينة؛ لأنّ واحد السفن وجمعه سواء إذ لو كانت بمعنى المركب لذكرها مع أنها في اللغة تذكر وتؤنث، قال تعالى: {إذ أبق إلى الفلك المشحون} (الصافات، 140) وضمة الجمع غير ضمة الواحدة تقديراً؛ إذ هي في الجمع كالضمة في حمر، وفي الواحد كالضمة في قفل، قال البيضاوي: والقصد به أي: الفلك إلى الاستدلال بالبحر وأحواله وتخصيص الفلك بالذكر؛ لأنه سبب الخوض فيه أي: البحر والإطلاع على عجائبه، ولذلك قدّمت على ذكر المطر والسحاب؛ لأنّ منشأهما البحر في غالب الأمر اه. فجعل الآية في البحر لا في السفن، والأولى جعل الآية فيها وقوله؛ لأنّ منشأهما البحر هو قول الحكماء والإشارة على خلافه وهو الذي دلت عليه الأخبار. قال شيخنا القاضي زكريا: وحاصله: أنّ السحاب من شجرة مثمرة في الجنة، والمطر من بحر تحت العرش {وما أنزل الله من السماء من ماء} أي: مطر.
تنبيه: من الأولى للابتداء، والثانية للبيان، قال البغويّ: قيل: أراد بالسماء السحاب يخلق الله الماء في السحاب، ثم من السحاب ينزل. وقيل: أراد بالسماء المعروفة يخلق الله الماء في السماء، ثم ينزل من السماء إلى السحاب؛ ثم من السحاب ينزل إلى الأرض اه. وفيه ما مرّ {فأحيا به الأرض} بالنبات {بعد موتها} أي: يبسها وجدوبتها {وبث} أي: فرّق ونشر بالماء {فيها} في الأرض {من كلّ دابة} .
فإن قيل: هل بث عطف على أنزل أو أحيا؟ أجيب: بأنه عطف على أنزل داخل تحت حكم الصلة؛ لأن قوله: فأحيا به الأرض عطف على أنزل، فاتصل به وصارا جميعاً كالشيء الواحد، فكأنه قيل: وما أنزل في الأرض من ماء وبث فيها من كل دابة، ويجوز عطفه على أحيا على معنى، فأحيا بالمطر الأرض وبث فيها من كل دابة؛ لأن الدواب ينمون بالخصب ويعيشون بالحيا أي: المطر {وتصريف الرياح} إلى قبول ودبور، وجنوب وشمال، فالقبول: الصبا وهي التي تهب من مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار، والدبور: تقابلها، والشمال: التي تهب من جانب القطب، والجنوب: تقابلها. قال ابن عباس: أعظم جنود الله الريح والماء، وسميت الريح ريحاً؛ لأنها تريح النفوس. قال شريح القاضي: ما هبت ريح إلا لشفاء سقيم أو لسقم صحيح.
فائدة: البشارة في ثلاث: من الرياح في الصبا، والشمال والجنوب. أمّا الدبور فهي الريح العقيم لا بشارة فيها، وقيل الرياح ثمانية: أربعة للرحمة وهي: المبشرات والناشرات والذاريات والمرسلات، وأربعة: للعذاب وهي العقيم والصرصر في البر، والعاصف والقاصف في البحر. وقرأ حمزة والكسائيّ: الريح بالتوحيد، والباقون بالجمع.
فائدة أخرى: كل ريح في القرآن ليس فيها ألف ولام اتفق القرّاء على توحيدها،

الصفحة 109