كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

يهتم بقتله وفي المثل: القتل أنفى للقتل وقيل في المثل: القتل قلل القتل وقيل: المراد بالحياة، الحياة الأخروية، فإنّ القاتل إذا اقتص منه في الدنيا لم يؤاخذ به في الآخرة هذا بالنسبة للآدميّ وأمّا بالنسبة لله تعالى، فإن تاب فكذلك وإلا فهو تحت المشيئة، ثم نادى ذوي العقول الكاملة بقوله: {يا أولي الألباب} للتأمّل في حكمة القصاص من استبقاء الأرواح وحفظ النفوس، ثم بين سبحانه وتعالى مشروعية ذلك بقوله: {لعلكم تتقون} القتل مخافة القود أو تعملون عمل أهل التقوى في المحافظة على القصاص والحكم به والإذعان له وهو خطاب له فضل اختصاص بالأئمة.
{كتب} أي: فرض {عليكم إذا حضر أحدكم الموت} أي: حضرت أسبابه وظهرت أماراته {إن ترك خيراً} أي: مالاً نظيره قوله تعالى: {وما تنفقوا من خير} (البقرة، 272) وقيل: مالاً كثيراً لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّ رجلاً أراد الوصية فسألته: كم مالك؟ فقال: ثلاثة آلاف فقالت: كم عيالك؟ قال: أربعة قالت: إنما قال الله تعالى إن ترك خيراً وإن هذا الشيء يسير فاتركه لعيالك.
وعن عليّ رضي الله تعالى عنه أنّ مولى له أراد أن يوصي وله سبعمائة درهم فمنعه وقال: قال الله تعالى: {إن ترك خيراً} والخير هو المال الكثير وقوله تعالى: {الوصية} مرفوع بكتب وذكر فعلها للفاصل ولأنها بمعنى أن يوصي ولذلك ذكر الراجع في قوله: فمن بدّله بعدما سمعه والعامل في إذا مدلول كتب لا الوصية لتقدّمه عليها وجواب أنّ أي: فليوص {للوالدين والأقربين بالمعروف} بالعدل فلا يفضل الغني ولا يتجاوز الثلث لما روي عن سعيد بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: «جاءني النبيّ صلى الله عليه وسلم يعودني فقلت: يا رسول الله أوصي بمالي كله قال: لا قلت: فالشطر قال: لا قلت: فالثلث قال: الثلث والثلث كثير إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس بأيديهم» أي: يسألون الناس الصدقة بأكفهم، وقوله تعالى: {حقاً} مصدر قال البيضاويّ تبعاً للزمخشريّ وغيره مؤكد لمضمون الجملة قبله أي: حق ذلك حقاً وردّه أبو حيان بأنّ قوله تعالى على المتقين متعلق بحقاً أو صفة له وكل منهما يخرجه عن التأكيد، أما الأوّل فلأن المصدر المؤكد لا يعمل إنما يعمل المصدر الذي ينحل إلى حرف مصدري، والفعل أو المصدر الذي هو بدل من اللفظ بالفعل، وأمّا الثاني فلأنّ حقاً مصدر مخصص بالصفة فلا يكون مؤكداً وقيل: حقاً نعت لمصدر كتب أو أوصى أي: كتباً أو إيصاء حقاً وقيل: حال من مصدر أحدهما معرّفاً وقيل: نصب على المفعولية أي: جعل الوصية حقاً {على المتقين} الله وهذا منسوخ بآية المواريث وبقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث» بناءً على الأصح من أن الكتاب ينسخ بالسنة وإن لم تتواتر وبذلك ظهر ما في قول بعضهم: إنّ الكتاب لا ينسخ بالسنة وإن الحديث من الآحاد.
أي: غيره من الأوصياء والشهود {بعدما سمعه} أي: وصل إليه علمه وتحقق عنده {فإنما إثمه} أي: الإيصاء المبدل {على الذين يبدّلونه} والميت بريء منه، وفي هذا إقامة الظاهر مقام المضمر {إنّ الله سميع} لما وصى به الموصي {عليم} بفعل الوصي فيجازيه عليه وفي هذا وعيد للمبدّل بغير حق.
{فمن خاف من موص} أي: توقع وعلم كقوله تعالى: {فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله} (البقرة، 229) أي علمتم وقرأ حمزة بإمالة الألف بعد الخاء من خاف حيث جاء، وقرأ شعبة وحمزة

الصفحة 117