كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

سفر قصر {فعدّة من أيام أخر} أي: فعليه صوم عدّة أيام المرض والسفر من أيام أخر إن أفطر، فحذف الشرط وهو إن أفطر والمضاف وهو صوم والمضاف إليه وهو أيام المرض والسفر للعلم بها.

واختلفوا في المرض الذي يبيح الفطر، والأصح فيه ما قدّرناه وذهب أهل الظاهر إلى أنّ ما ينطلق عليه اسم المرض يبيح الفطر وهو قول ابن سيرين: فقد دخل عليه في رمضان وهو يأكل فاعتل بوجع أصبعه وفي السفر الذي يباح فيه الفطر والأصح فيه أيضاً ما قدّرناه وهو مرحلتان. وقال الأوزاعي: أقله مرحلة، وقال أبو حنيفة وأصحابه: ثلاثة أيام {وعلى الذين يطيقونه} أي: إن أفطروا {فدية} هي {طعام مسكين} أي: قدر ما يأكله في يوم وهو مدّ على الأصح من غالب قوت بلده وقال بعضهم: نصف صاع من القمح أو صاع من غيره وقال بعضهم: ما كان المفطر يتقوّته يومه الذي أفطره وقال ابن عباس: يعطي كل مسكين عشاءه وسحوره.
واختلف العلماء في تأويل هذه الآية وحكمها، فذهب أكثرهم إلى أنها منسوخة وهو قول ابن عمر وسلمة بن الأكوع وغيرهما وذلك أنهم كانوا في صدر الإسلام مخيرين بين أن يصوموا وبين أن يفطروا ويفدوا وإنما خيرهم الله تعالى؛ لأنهم كانوا لم يتعوّدوا الصيام ثم نسخ التخيير ونزلت العزيمة بقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} قال ابن عباس: إلا الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على الولد، فإنها باقية بلا نسخ في حقهما، وذهب جماعة منهم إلى أن لفظة لا مقدّرة في الآية أي: وعلى الذين لا يطيقونه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فدية وهو قول سعيد بن جبير وجعل الآية محكمة، وقرأ نافع وابن ذكوان بغير تنوين في فدية وخفض الميم من طعام والباقون بتنوين فدية ورفع الميم من طعام، وقرأ نافع وابن عامر مساكين بفتح الميم والسين وألف بعد السين وفتح النون، والباقون بكسر الميم وسكون السين ولا ألف بعدها وكسر النون منونة {فمن تطوّع خيراً} بالزيادة على القدر المذكور في الفدية {فهو} أي: التطوع {خير له} فيثيبكم الله عليه {وأن تصوموا} أي: أيها المطيقون مبتدأ خبره {خير لكم} أي: من الإفطار والفدية {إن كنتم تعلمون} أي: ما في الصوم من الفضيلة وبراءة الذمّة وجواب: إن كنتم محذوف دلّ عليه خير لكم أي: فالصوم خير لكم وقوله تعالى:

{شهر رمضان} مبتدأ خبره ما بعده أو بدل من الصيام في قوله: {كتب عليكم الصيام} بدل اشتمال أو بدل كل من كل إن قدر مضاف أو خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلكم شهر رمضان أو الشهر من الشهور ورمضان مصدر رمض إذا أحرق فأضيف إليه الشهر وجعل علماً ومنع من الصرف للعلمية والألف والنون.
فإن قيل: إذا كانت التسمية واقعة مع المضاف والمضاف إليه جميعاً فما وجه ما جاء في الأحاديث من نحو قوله صلى الله عليه وسلم «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه» وقوله صلى الله عليه وسلم «بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له» أجيب: بأنّ ذلك على حذف المضاف لا من اللبس قال التفتازاني: وجاز الحذف من الاعلام وإن كان من قبيل حذف بعض الكلمة؛ لأنهم أجروا مثل هذا العلم مجرى المضاف والمضاف إليه حيث أعربوا الجزأين وإنما سماه العرب بذلك إمّا لارتماضهم فيه من حر الجوع والعطش، وإمّا لارتماض الذنوب فيه. وقيل: لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة

الصفحة 119