كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام رمضان الحر قال أئمة اللغة: كان أسماء الشهور في اللغة القديمة: مؤتمر ناجر خوان وبصان حنين ورنه الأصم وعل ناتق عادل هواع يراك فغيرت إلى محرّم صفر ربيع الأوّل ربيع الثاني جمادى الأول جمادى الثانية رجب شعبان رمضان شوّال ذي القعدة ذي الحجة على الترتيب وسمي المحرم لتحريم القتال فيه وصفر لخلو مكة عن أهلها إلى الحروب، والربيعان لارتباع الناس فيهما أي: إقامتهم وجماديان لجمود الماء فيهما ورجب لترجيب العرب إياه أي: تعظيمهم له وشعبان لتشعب القبائل فيه، ورمضان لرمض الفصال فيه، وشوّال لشول أذناب اللواقح فيه، وذو القعدة للقعود فيه عن الحرب، وذو الحجة لحجهم فيه {الذي أنزل فيه القرآن} جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر ثم تنزل منجماً إلى الأرض وقيل: ابتدىء فيه إنزاله وكان ذلك ليلة القدر وقيل: أنزل في شأنه القرآن وهو قوله تعالى: {كتب عليكم الصيام} وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم «نزلت صحف إبراهيم أوّل ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين» رواه الإمام أحمد وغيره.
تنبيه: قال ابن عادل: يروى أنّ جبريل عليه السلام نزل على آدم اثنتي عشرة مرّة، وعلى إدريس أربع مرّات، وعلى إبراهيم اثنين وأربعين مرّة، وعلى نوح خمسين مرّة، وعلى موسى أربعمائة مرّة، وعلى عيسى عشر مرّات، وعلى محمد صلى الله عليه وسلم أربعة وعشرين ألف مرّة، وقرأ ابن كثير القرآن بنقل حركة الهمزة إلى الراء وتصير الراء مفتوحة وألف بعدها في المعرف والمنكر حيث جاء وكذا يقرأ حمزة في الوقف وقوله تعالى: {هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} حالان من القرآن أي: أنزل وهو هداية للناس لإعجازه من الضلالة إلى الحق وهو آيات واضحات مما يهدي إلى الحق ويفرق بينه وبين الباطل مما فيه من الحكم والأحكام.
فإن قيل: فما معنى قوله: وبينات من الهدى بعد قوله هدى للناس؟ أجيب: بأنه تعالى ذكر أولاً أنه هدى ثم ذكر أنه بينات من جملة ما هدى به الله وفرق به الحق والباطل من وحيه وكتبه السماوية الهادية الفارقة بين الهدى والضلال {فمن شهد} أي: حضر {منكم الشهر فليصمه} وقوله تعالى: {ومن كان مريضاً أو على سفر} أي: فأفطر {فعدّة من أيام أخر} تقدّم مثله وكرر لئلا يتوهم نسخه بتعميم من شهد {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} أي: يريد أن ييسر عليكم ولا يعسر ولذلك أباح لكم الفطر في المرض والسفر. واختلفوا هل الفطر في السفر أفضل أو الصوم؟ والأصح أنه إن شق عليه الصوم فالفطر أفضل وإلا فالصوم. وروي عن ابن عباس وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعلي بن الحسين أنهم قالوا: لا يجوز الصوم في السفر، ومن صام فعليه القضاء واحتجوا بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم «ليس من البرّ الصيام في السفر» وأجاب الأوّل عن الحديث بأنه محمول على من يشق عليه الصوم فقول جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا صائم فقال صلى الله عليه وسلم «ليس من البرّ الصيام في السفر» والدليل على جواز

الصفحة 120