كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

الله عليه وسلم «في الجنة ثمانية أبواب، منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون» وعن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصائم: رب إني منعت الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان» .

وسأل جماعة النبيّ صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزل
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} أي: فقل لهم إني قريب وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم، ونحوه قوله تعالى: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} (ق، 16) وقوله تعالى: {أجيب دعوة الداع إذا دعان} أي: بإنالته ما سأل تقرير للقرب، ووعد للداعي بالإجابة، وقرأ ورش وأبو عمرو بإثبات الياء فيهما وصلاً لا وقفاً، واختلف عن قالون فيهما والباقون بحذفها وصلاً ووقفاً.
فإن قيل: ما وجه قوله تعالى: {أجيب دعوة الداع} وقوله: {ادعوني أستجب لكم} () وقد يدعى كثيراً فلا يجيب؟ أجيب: بأنهم اختلفوا في معنى الآيتين فقيل: معنى الدعاء هنا الطاعة، ومعنى الإجابة الثواب، وقيل: معنى الآيتين خاص وأن لفظهما عام، تقديره: أجيب دعوة الداع إن شئت كما قال تعالى: {فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} (الأنعام، 41) أو أجيب دعوة الداع إن وافق القضاء، أو أجيبه إن كانت الإجابة خيراً له، أو أجيبه إن لم يسأل محالاً.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يستجيب الله لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل» قالوا: وما الاستعجال يا رسول الله؟ قال: يقول قد دعوتك يا رب فلا أراك تستجيب لي فيتحسر عند ذلك فيدع، أي: يترك الدعاء» وقيل: هو عام، ومعنى قوله أجيب أي: أسمع ويقال: ليس في الآية أكثر من إجابة الدعوة، فأما إعطاء الأمنية فليس بمذكور فيها، وقد يجيب السيد عبده، أو الوالد ولده ثم لا يعطيه سؤله، فالإجابة لا محالة عند حصول الدعوة، وقيل: معنى الآية: أنه لا يخيب دعاءه، فإن قدر له ما سأل أعطاه، وإن لم يقدر له ادخر الثواب له في الآخرة، أو كف عنه به سوءاً لقوله صلى الله عليه وسلم «ما على الأرض رجل مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو كف عنه من السوء بمثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» . وقيل: إنّ الله يجيب دعوة المؤمن في الوقت ويؤخر إعطاء مراده ليدعوه فيسمع صوته، ويعجل إعطاء من لا يحبه لأنه يبغض صوته. وقيل: إنّ للدعاء آداباً وشرائط، وهي أسباب الإجابة، فمن استكملها كان من أهل الإجابة، ومن أخلّ بها فهو من أهل الاعتداء في الدعاء فلا يستحق الجواب. {فليستجيبوا لي} إذا دعوتهم للإيمان والطاعة، كما أجيبهم إذا دعوني بمهماتهم، وقوله تعالى: {وليؤمنوا بي} أمر بالثبات والمداومة على الإيمان {لعلهم} أي: لكي {يرشدون} والرشد إصابة الحق.
أي: الليلة التي تصبحون منها صائمين {الرفث إلى نسائكم} الرفث: كناية عن الجماع؛ لأنه لا يكاد يخلو عن رفث وهو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه، كلفظ الوطء والجماع، فإنه يجب أن يكنى عنه بلازم من لوازمه كالرفث وعُدّي بإلى لتَضَمُّنه معنى الإفضاء، وكني عن الجماع هنا بلفظ الرفث الدال على معنى القبح بخلاف قوله: {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} () استهجاناً لما وجد منهم قبل الإباحة، ولذلك سماه فيما يأتي خيانة قال: ابن عباس رضي الله تعالى

الصفحة 122