كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

الأكثر.
{وسبعة} من الأيام {إذا رجعتم} إلى وطنكم مكة أو غيرها، وقيل: إذا فرغتم من أعمال الحج وفيه النفقات عن الغيبة، وفائدة قوله تعالى: {تلك عشرة} أن لا يتوهم أنّ الواو بمعنى أو كقولك جالس الحسن وابن سيرين، ألا ترى أنه لو جالسهما جميعاً أو واحداً منهما كان ممتثلاً، وأن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلاً؛ ليحاط به من جهتين، فيتأكد العلم، فإن أكثر العرب لم يحسنوا الحساب. وفي أمثال العرب: علمان خير من علم، وأنّ المراد بالسبعة العدد دون الكثرة فإنه يطلق لهما، وقوله تعالى: {كاملة} صفة مؤكدة تفيد المبالغة في محافظة العدد بأن لا يتهاون بها، ولا ينقص من عددها كما تقول للرجل ـ إذا كان لك اهتمام بأمر تأمره به وكان منك بمنزلة ـ الله الله لا تقصر. أو مبينة كمال العشرة فإنه أوّل عدد كامل إذ به تنتهي الآحاد وتتم مراتبها وقيل: كاملة في وقوعها بدلاً من الهدي، بحيث لا يقصر ثواب الصوم عن ثواب الهدي.

{ذلك} أي: الحكم المذكور من وجوب الهدي أو الصيام على من تمتع {لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} وهم من مساكنهم دون مرحلتين من الحرم لقربهم منه والقريب من الشيء يقال: إنه حاضره قال تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} (الأعراف، 163) أي: قريبة منه، وفي ذكر الأهل إشعار باشتراط الاستيطان فلو أقام قبل أشهر الحج ولم يستوطن وتمتع فعليه ذلك، وهو أصح قولي الشافعيّ والثاني لا، والأهل كناية عن النفس وألحق بالمتمتع فيما ذكر بالسنة القارن: وهو من يحرم بالعمرة والحج معاً أو يدخل الحج عليها قبل الطواف.
{واتقوا} بالمحافظة على أوامره ونواهيه وخصوصاً في الحج {واعلموا أنّ الله شديد العقاب} لمن خالفه ليكون عملكم بشديد عقابه لطفاً لكم في التقوى.
{الحج أشهر} أي: وقته كقولك البرد شهران {معلومات} وهي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر عندنا، والعشر كله عند أبي حنيفة وذو الحجة كله عند مالك، وعلى الأوّلين إنما سمي شهرين وبعض شهر أشهراً إقامة للبعض مقام الكلّ، وإطلاقاً للجمع على ما فوق الواحد كما في قوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} (التحريم، 4) لحفصة وعائشة.

{فمن فرض} على نفسه {فيهنّ الحج} بالإحرام به عندنا أو بالتلبية أو بسوق الهدي عند أبي حنيفة، وفيه دليل على أنّ من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لا ينعقد إحرامه بالحج، وهو قول ابن عباس وجماعة من الصحابة، وإليه ذهب الأوزاعي والشافعيّ، وقال: ينعقد إحرامه عمرة؛ لأنّ الله تعالى خص هذه الأشهر بفرض الحج فيها، فلو انعقد في غيرها لم يكن لهذا التخصيص فائدة، كما أنه تعالى علق الصلاة بالمواقيت، ثم من أحرم بفرض الصلاة قبل دخول وقته لم ينعقد إحرامه عن الفرض، وإنما انعقد عمرة لأنّ الإحرام شديد التعلق، وذهب جماعة إلى أنه ينعقد إحرامه بالحج وهو قول مالك والثوري وأبي حنيفة، أما العمرة فجميع السنة وقت لها إلا أن يكون عليه بقية من أعمال الحج كالرمي.
{فلا رفث} أي: جماع فيه كما قال ابن عباس وجماعة من الصحابة، وقيل: الرفث غشيان النساء والقبلة والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام، وقيل: هو الفحش والقول القبيح.
{ولا فسوق} أي: ولا خروج عن حدود الشرع بالسيئات وارتكاب المحظورات وقيل: هو السباب والتنابز بالألقاب {ولا جدال} أي: خصام مع الخدم

الصفحة 130