كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

عليه الصلاة والسلام المناسك ويقول: عرفت فيقول: عرفت فسمي المكان لذلك عرفات واليوم عرفة. وقال الضحاك: كان آدم عليه الصلاة والسلام لما أهبط وقع في الهند وحوّاء بجدة فجعل كل واحد منهما يطلب صاحبه فاجتمعا بعرفات يوم عرفة فتعارفا فسمي المكان واليوم بما ذكر. وقال السدي: لما أذن إبراهيم في الناس بالحج وأجابوا بالتلبية وأتاه من أتاه أمره الله تعالى أن يخرج إلى عرفات ونعتها له، فلما بلغ الجمرة الأولى استقبله الشيطان يرده فرماه بسبع حصيات يكبّر مع كل حصاة فطار فوقع على الجمرة الثانية فرماه وكبّر، فطار ووقع على الجمرة الثالثة فرماه وكبّر، فلما رأى الشيطان أنه لا يطيعه ذهب فانطلق إبراهيم حتى أتى ذا المجاز، فلما نظر إليه لم يعرفه فجاز فسمي ذا المجاز ثم انطلق حتى وقف بعرفات فعرفها بالنعت فسمي المكان واليوم بما ذكر.
فإن قيل: هلا منعت الصرف وفيها السببان: العلمية والتأنيث أجيب: بأن التأنيث لا يخلو: إما أن يكون بالتاء التي في لفظها وأما بتاء مقدرة كما في سعاد فالتي في لفظها ليست للتأنيث، وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع التأنيث ولا يصح تقدير التاء فيها لأنّ هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعة من تقديرها كما، لا تقدر تاء التأنيث في بنت لأن التاء التي فيها هي بدل من الواو لاختصاصها بالمؤنث كتاء التأنيث فأبت تقديرها، وفي الآية دليل على وجوب الوقوف بعرفة لأنّ إذا تدل على أنّ المذكور بعدها محقق لا بدّ منه، فكأنه قيل بعد إفاضتكم من عرفات التي لا بدّ منها اذكروا الله، والإفاضة من عرفات لا تكون إلا بعد الوقوف بها، فوجب أن يكون الوقوف بها واجباً، وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم «الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج» .k
{فاذكروا الله} بالتلبية والتهليل والتكبير والثناء والدعوات وقيل: بصلاة المغرب والعشاء {عند المشعر الحرام} وهو جبل في آخر المزدلفة يقال له قزح، وفي الحديث «أنه صلى الله عليه وسلم وقف به يذكر الله تعالى ويدعو حتى أسفر جدّاً» رواه مسلم. وقال جابر «دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى بالمزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام استقبل القبلة فدعا وكبر وهلل ووحد ولم يزل واقفاً حتى أصبح جداً» .
وقوله تعالى: {عند المشعر الحرام} معناه مما يلي المشعر الحرام قريباً منه وذلك للفضل كالقرب من جبل الرحمة وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر، ويسمى مشعراً من الشعار وهي: العلامة؛ لأنه من معالم الحج، ووصف بالحرام لحرمته وتسمى المزدلفة جمعاً؛ لأنه يجمع فيها بين صلاتي المغرب والعشاء، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه نظر إلى الناس ليلة جمع فقال: لقد أدركت الناس هذه الليلة لا ينامون، وقيل: سميت جمعاً لأنّ آدم اجتمع فيها مع حوّاء عليهما الصلاة والسلام وازدلف إليها أي: دنا منها وقيل: وصفت بفعل أهلها لأنهم يزدلفون إلى الله تعالى أي: يتقرّبون بالوقوف فيها.
{واذكروه كما هداكم} لمعالم دينه ومناسك حجه والكاف للتعليل. {وإن كنتم من قبله} أي: الهدى {لمن الضالين} أي: الجاهلين بالإيمان والطاعة، وإن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة وقيل: إن هي النافية واللام بمعنى إلا كقوله تعالى: {وإن نظنك لمن الكاذبين} (الشعراء، 186) أي: ما نظنك إلا من

الصفحة 132