كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

وله الجنة؟» . فقال الزبير: أنا يا رسول الله وصاحبي المقداد، فخرجا يسيران بالليل ويكمنان بالنهار حتى وصلا إليه ليلاً، وإذا حول الخشبة أربعون من المشركين نيام فأنزله الزبير وحمله على فرسه وسارا فانتبه الكفار فلم يجدوه فأخبروا قريشاً فركب منهم سبعون فلما لحقوهما قذف الزبير خبيباً فابتلعته الأرض فسمي بليع الأرض، ثم رفع الزبير العمامة عن رأسه وقال: أنا الزبير بن العوام وأمي صفية بنت عبد المطلب، وصاحبي المقداد بن الأسود، فإن شئتم ناضلتكم وإن شئتم نازلتكم وإن شئتم انصرفتم، فانصرفوا إلى مكة وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عنده، فقال: يا محمد إن الملائكة لتتباهى بهذين من أصحابك فنزلت فيهما هذه الآية {وا رؤوف بالعباد} حيث أرشدهم لما فيه رضاه.
ونزل في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه: {يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم} أي: الإسلام وقوله تعالى: {كافة} حال من السلم لأنها تؤنث كما تؤنث الحرب، كما قال القائل:
*أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع*
*في السلم تأخذ منا ما رضيت به ... والحرب تكفيك من أنفاسها جزع*
أي ادخلوا في جميع شرائعه، وذلك أنهم يعظمون السبت، ويكرهون لحوم الإبل وألبانها بعدما أسلموا، فأمروا أن يدخلوا في جميع شرائعه.

{ولا تتبعوا خطوات} أي: طرق (الشيطان) ، أي تزيينه من تحريم السبت ولحوم الإبل وألبانها. وقرأ نافع وابن كثير والكسائي: السَّلْم بفتح السين، والباقون بكسرها، وتقدم الكلام في خطوات لابن عامر، وقنبل وحفص والكسائي بضم الطاء {إنه لكم عدوّ مبين} ظاهر العداوة.
{فإن زللتم} أي: مِلْتم عن الدخول في جميعه {من بعد ما جاءتكم البينات} أي: الحجج الظاهرة أنه حق {فاعلموا أن الله عزيز} لا يعجزه شيء عن انتقامه منكم {حكيم} في صنعه.

تنبيه: قول البيضاوي: حكيم لا ينتقم إلا بحق تبع فيه الزمخشري، وهو مذهب المعتزلة فإنهم يقولون: لا ينتقم إلا بقدر ما يستحقه العاصي، ومذهب أهل السنة أنه ينتقم ويعاقب من شاء بما شاء وإن كان مطيعاً؛ إذ هو متصرّف في ملكه يفعل ما يشاء بمن شاء وإن لم يقع منه الانتقام إلا ممن أساء. وروي أنّ قارئاً قرأ غفور رحيم بدل عزيز حكيم فسمعه أعرابي لم يقرأ القرآن فأنكره وقال: إن كان هذا كلام الله فلا يذكر الغفران عند الزلل؛ لأنه إغراء عليه.
قوله تعالى: {هل ينظرون} استفهام في معنى النفي أي: ما ينظرون {إلا أن يأتيهم الله} أي: أمره أو بأسه كقوله تعالى: {أو يأتي أمر ربك} (النحل، 33) أي: عذابه وقوله تعالى: {جاءهم بأسنا} (الأنعام، 43) أو {يأتيهم الله ببأسه} (،) فحذف المأتيّ به للدلالة عليه بقوله تعالى: {إن الله عزيز حكيم} .
{في ظلل} جمع ظلة وهي ما أظلك {من الغمام} أي: من السحاب الأبيض سمي غماماً لأنه يغم أي: يستر، وإنما يأتيهم العذاب فيه لأنه مظنة الرحمة وهي نزول المطر فإذا جاء منه العذاب كان أفظع؛ لأنّ الشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أصعب، فكيف إذا جاء من حيث يحتسب الخير.
{و} تأتيهم {الملائكة} فإنهم الواسطة في إتيان أمره أو الآتون على الحقيقة ببأسه. قال البغويّ: والأولى في هذه الآية وفيما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها ويكل علمها إلى الله تعالى، ويعتقد أن الله تعالى منزه عن

الصفحة 136