كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

سمات الحوادث وعلى ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة انتهى.
وأما أئمة الخلف فإنهم يؤوّلون هذه الآية بنحو ما أوّلنا به وأمثالها، بحسب المقام وهو أحكم، ومذهب السلف أسلم، وكان مكحول ومالك والليث وأحمد يقولون في هذا وأمثاله: أمرّوها كما جاءت بلا كيف.
{وقضي الأمر} أي: أمر هلاكهم وفرغ منهم ووضع الماضي موضع المستقبل لدنوّه وتيقن وقوعه {وإلى الله ترجع الأمور} في الآخرة فيجازيهم، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح التاء وكسر الجيم، والباقون بضمّ التاء وفتح الجيم وقوله تعالى:

{س2ش211/ش214 سَلْ بَنِى? إِسْرَا?ءِيلَ كَمْءَاتَيْنَاهُم مِّنْءَايَة? بَيِّنَةٍ? وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن? بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا? الْحياةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَءَامَنُوا? وَالَّذِينَ اتَّقَوْا? فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ? وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّ?نَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا? فِيهِ? وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِs الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن? بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيَ?ابَيْنَهُمْ? فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا? لِمَا اخْتَلَفُوا? فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ?? وَاللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا? الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا? مِن قَبْلِكُم? مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُوا? حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَءَامَنُوا? مَعَهُ? مَتَى نَصْرُ اللَّهِ? أَ? إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}
{سل} أمر للرسول أو لكل أحد {بني إسرائيل} توبيخاً {كم آتيناهم} كم استفهامية معلقة سل عن المفعول الثاني وهي ثاني مفعولي آتيناهم ومميزها {من آية} أي: معجزة {بينة} أي: ظاهرة في الدلالة على صدق من جاء بها كقلب العصا حية، وإبراء الأكمه والأبرص وفلق البحر وإنزل المنّ والسلوى فبدّلوها كفراً.
{ومن يبدّل نعمة الله} أي: ما أنعم به عليه من الآيات لأنها سبب الهداية التي هي أجل النعم كفراً {من بعدما جاءته} أي: وصلته وتمكن من معرفتها {فإنّ الله شديد العقاب} فيعاقبه أشدّ عقوبة لأنه ارتكب أشدّ جريمة وهي التبديل.
{زين للذين كفروا الحياة الدنيا} أي: حسنت في أعينهم وأشربت محبتها في قلوبهم، حتى تهالكوا عليها، وأعرضوا عن غيرها، والمزين في الحقيقة هو الله تعالى، إذ ما من شيء إلا وهو فاعله، وكل من الشيطان والقوّة الحيوانية، وما خلق الله فيها من الأمور البهيمية والأشياء الشهية مزين بالعرض، واختلف في سبب نزول هذه الآية فقيل: نزلت في مشركي العرب أبي جهل وأصحابه وكانوا يتنعمون بما بسط لهم في الدنيا من المال ويكذبون بالمعاد {ويسخرون من الذين آمنوا} أي: يستهزئون بالفقراء من المؤمنين قال ابن عباس: أراد بالذين آمنوا عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وصهيباً وبلالاً وخباباً وأمثالهم، وقال قتادة: نزلت في المنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه كانوا يتنعمون في الدنيا، ويسخرون من ضعفاء المؤمنين وفقراء المهاجرين ويقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد أنه يغلب بهم، وقال عطاء: نزلت في رؤساء اليهود من بني قريظة والنضير وقينقاع سخروا من فقراء المهاجرين فوعدهم الله أن يعطيهم أموال بني قريظة والنضير بغير قتال.
{والذين اتقوا} أي: الشرك وهم هؤلاء الفقراء {فوقهم يوم القيامة} لأنهم في أعلى عليين وهم في أسفل السافلين، أو حالهم غالبة لحالهم؛ لأنهم في كرامة وهم في هوان أو هم غالبون عليهم متطاولون يضحكون منهم، كما يتطاول هؤلاء عليهم في الدنيا، ويرون الفضل لهم عليهم، فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون.
روي عن أسامة بن زيد أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وقفت على باب الجنة فرأيت أكثر أهلها المساكين، ووقفت على باب النار فرأيت أكثر أهلها النساء، وإذا أهل الجدّ محبوسون إلا من كان منهم من أهل النار فقد أمر به إلى النار» .
وروي عن سهل سعد الساعدي أنه قال: مرّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟» قال رجل من أشراف الناس: هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مرّ رجل آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما رأيك في هذا؟» فقال: يا رسول

الصفحة 137