كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

عمرو وإن لم يكن مذكوراً في الآية، واقتصر في بيان المنفق على ما تضمنه قوله ما أنفقتم من خير {وما تفعلوا من خير} إنفاق وغيره {فإن الله به عليم} فيجازيكم به.

تنبيه: ليس في الآية ما ينافي فرض الزكاة لينسخ به كما قيل؛ لأنّ الزكاة لا تعطى للوالدين ولا للأقربين من الأولاد وأولاد الأولاد، فالآية محمولة على الإنفاق على من ذكر تطوّعاً أو على الإنفاق على الفقراء من الوالدين والأولاد وأولاد الأولاد، وذلك ليس بمنسوخ.
{كتب} أي: فرض {عليكم القتال} للكفار {وهو كره} أي: مكروه {لكم} طبعاً للمشقة {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم} وهو جميع ما كلفتم به فإنه الموجب لسعادتكم، فلعل لكم في القتال ـ وإن كرهتموه ـ خيراً؛ لأنّ فيه إمّا الظفر والغنيمة وإمّا الشهادة والأجر {وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرّ لكم} وهو جميع ما نهيتم عنه، فإنّ النفس تحبه وتهواه، وهو يهوي بها إلى الردى، ففي ترك القتال ـ وإن أحببتموه ـ شرّ؛ لأنّ فيه الذل والفقر وحرمان الأجر، وإنما ذكر عسى؛ لأن النفس إذا ارتاضت ينعكس الأمر عليها {وا يعلم} ما هو خير لكم {وأنتم لا تعلمون} ذلك فبادروا إلى ما يأمركم به.
{يسئلونك} يا محمد {عن الشهر الحرام} المحرّم، روي أنه عليه الصلاة والسلام بعث عبد الله بن جحش ابن عمته على سرية في جمادى الآخرة، قبل قتال بدر بشهرين، على رأس سبعة عشر شهراً من مقدمه المدينة؛ ليترصد عيراً لقريش فيهم عمرو بن عبد الله الحضرمي، وثلاثة معه فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها تجارة من تجارة الطائف، وكان ذلك غرّة رجب، وهم يظنونه جمادى الآخرة فقالت قريش: قد استحلّ محمد الشهر الحرام الذي يأمن فيه الخائف، ويتفرّق فيه الناس إلى معايشهم، فسفك فيه الدماء، وأخذ الأسارى، وعيّر بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين، وقالوا: يا معشر الصباة استحللتم الشهر الحرام، وقاتلتم فيه، وشق ذلك على أصحاب السرية وقالوا: ما نبرح حتى تنزل توبتنا وردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسارى.

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «لما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة وهي أوّل غنيمة في الإسلام» والسائلون هم المشركون، كتبوا إليه تشنيعاً وتعييراً، وقيل: أصحاب السرية قالوا: يا رسول الله إنا قتلنا ابن الحضرمي، ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادى، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وأكثر الأقاويل على أنها منسوخة بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} (التوبة، 5) .
وقوله تعالى: {قتال فيه} بدل اشتمال من الشهر {قل} لهم {قتال فيه كبير} أي: عظيم وزر، أو قد تمّ الكلام ههنا، ثم ابتدأ فقال: {وصدّ} فهو مبتدأ أي: منع الناس {عن سبيل الله} أي: دينه {وكفر به} أي: الله {و} صدّ عن {المسجد الحرام} أي: مكة {وإخراج أهله منه} وهم النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، وخبر المبتدأ وما عطف عليه {أكبر} أي: أعظم وزراً {عند الله} مما فعلته السرية من قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام خطأ، وبناء على الظنّ.
ومما تقرّر علم أنّ {والمسجد الحرام} معطوف على سبيل الله وقول البيضاوي: ولا يحسن عطفه على سبيل الله لأنّ عطف قوله تعالى: {وكفر به} على {وصدّ} مانع منه مجاب عنه بأنّ الكفر بالله والصدّ عن سبيله متحدان معنى فكأنه لا فصل بالأجنبيّ بين سبيل الله وما عطف عليه، ويصح أيضاً أن يكون معطوفاً على الهاء من به، إذ يجوز العطف بدون إعادة الجار كما جرى

الصفحة 140