كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

عنده عشرة أيام جاز قربانها قبل الغسل.
{من حيث أمركم الله} بتجنبه في الحيض وهو القبل ولا تتعدّوه إلى غيره. أمّا الملامسة فيما عدا ما بين السرّة والركبة والمضاجعة معها قبل الغسل، ولو قبل إنقطاع الحيض فجائز، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: «كان يأمرني صلى الله عليه وسلم فأتزر فيباشرني وأنا حائض وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض» .
وعن أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: «حضت وأنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الخميلة فانسلت فخرجت منها فأخذت ثياب حيضتي، فلبستها فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفست؟ قلت: نعم، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة» {إن الله يحب} أي: يثيب ويكرم {التوّابين} من الذنوب {ويحب المتطهرين} أي: المتنزهين عن الفواحش والأقذار، كمجامعة الحائض والإتيان في غير القبل.
{نساؤكم حرث لكم} أي: مزرع ومنبت للولد كالأرض للنبات {فأتوا حرثكم} أي: محله وهو القبل {أنى} أي: كيف {شئتم} من قيام وقعود واضطجاع وإقبال وإدبار.
وروى الشيخان أنّ اليهود كانوا يقولون: من جامع امرأته من دبرها أي: خلفها في قبلها جاء ولدها أحول، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية.
{وقدّموا لأنفسكم} من الأعمال الصالحة، كالتسمية عند الجماع وطلب الولد أي: ما يدخر لكم من الثواب {واتقوا الله} في أمره ونهيه {واعلموا أنكم ملاقوه} بالبعث، فتزوّدوا ما لا تُفْتَضَحون به فإنه يجازيكم بأعمالكم {وبشر المؤمنين} بالكرامة والنعيم الدائم، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينصحهم ويبشر من صدقه وامتثل أمره منهم. وقوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لإيمانكم} نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله تعالى عنه، لما حلف أن لا ينفق على مسطح حين خاض في حديث الإفك لافترائه على عائشة رضي الله تعالى عنها، أو في عبد الله بن رواحة حين حلف أن لا يكلم ختنه أي: زوج أخته بشير بن النعمان، ولا يصلح بينه وبين أخت.
فالعرضة كل ما يعرض فيمنع عن الشيء أي: لا تجعلوا الحلف سبباً مانعاً لكم من البرّ والتقوى يدعى أحدكم إلى صلة رحم أو برّ فيقول: حلفت بالله أن لا أفعله، فيعتل بيمينه في ترك البرّ كما قال تعالى: {أن تبرّوا} أي: مخالفة أن لا تبرّوا، فهو في موضع نصب مفعول من أجله. وعند الكوفيين لئلا تبرّوا كقوله تعالى: {يبين الله لكم أن تضلوا} (النساء، 176) أي: لئلا تضلوا، وقال أبو إسحق في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف أي: أن تبرّوا وتتقوا خير لكم وقيل: التقدير في أن تبرّوا، فلما حذف حرف الجرّ نصب، وقيل: هو في موضع جرّ بالحرف المحذوف.
{وتتقوا وتصلحوا بين الناس} فتكره اليمين على ذلك، ويسنّ فيه الحنث ويُكَفّر، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حلف بيمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه ويفعل الذي هو خير» بخلافها على فعل البرّ ونحوه فهي طاعة {وا سميع} لأقوالكم {عليم} بأحوالكم.

{في أيمانكم} واللغو: كل مطروح من الكلام لا يعتدّ به.
واختلف أهل العلم في اللغو في اليمين المذكور في الآية، فقال قوم: هو ما سبق إلى اللسان على عجلة، لصلة كلام من غير عقد ولا قصد، كقول القائل: لا والله، وبلى والله، وكلا والله، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: لغو اليمين كقول الإنسان:

الصفحة 145