كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

{ولهنّ} على الأزواج {مثل الذي} لهم {عليهنّ} من الحقوق {بالمعروف} شرعاً من حسن العشرة وترك الضرر ونحو ذلك.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في معنى ذلك: إني أحب أن أتزين لامرأتي، كما تحب أن تتزيّن لي لهذه الآية، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهن خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم» .
فإن قيل: ما المراد بالمماثلة؟ أجيب: بأنّ المراد أنّ لهنّ حقوقاً على الرجال مثل حقوقهم عليهنّ في الوجوب، واستحقاق المطالبة عليها لا في الجنس إذ ليس الواجب على كلّ منهما من جنس ما وجب على الآخر، فلو غسلت ثيابه أو خبزت له لم يلزمه أن يفعل مثل ذلك، ولكن يقابلها بما يليق بالرجال {وللرجال.
عليهنّ درجة} أي: فضيلة في الحق؛ لأنّ المرأة تنال من الرجل من اللذة مثل ما ينال الرجل، وله الفضيلة بقيامه عليها وانفاقه في مصالحها؛ ولأن حقوقهم في أنفسهنّ بالوطء والتمتع، وحقوقهنّ المهر والكفاف وترك الضرار، وقيل بصلاحيته للإمامة والقضاء والشهادة، وقيل: بالجهاد، وقيل: بالميراث وقيل: بالدية، وقيل: بالعقل {وا عزيز} في ملكه قادر على الانتقام ممن خالف الأحكام {حكيم} فيما دبره لخلقه يشرعها لحكم ومصالح.
{الطلاق} أي: التطليق كالسلام بمعنى التسليم أي: الذي يراجع به {مرّتان} أي: اثنتان.

روي عن عروة بن الزبير قال: كان الناس في الابتداء يطلقون من غير حصر ولا عدد، كان الرجل يطلق امرأته، فإذا قاربت انقضاء عدّتها راجعها، ثم طلقها كذلك ثم راجعها بصد مضارتها، فنزلت هذه الآية.

وروى أبو داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم سئل: أين الثالثة؟ فقال صلى الله عليه وسلم «أو تسريح بإحسان» {فإمساك} أي: فعليكم إمساكهنّ إذا راجعتموهنّ بعد الطلقة الثانية {بمعروف} وهو كل ما يعرف في الشرع من أداء حقوق النكاح وحسن الصحبة {أو تسريح بإحسان} بالطلقة الثالثة، أو بأن لا يراجعها حتى تبين منه.

تنبيه: اختلف العلماء فيما إذا كان أحد الزوجين رقيقاً، فذهب الأكثر ومنهم الشافعيّ رضي الله تعالى عنه إلى أنه يعتبر عدد الطلاق بالزوج، فالحرّ يملك على زوجته الأمة ثلاث طلقات، والعبد لا يملك على زوجته الحرّة إلا طلقتين وذهب الأقلّ ومنهم أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه، إلى أن الاعتبار بالمرأة في عدد الطلاق كالعدّة، فيملك العبد على زوجته الحرّة ثلاث طلقات ولا يملك الحرّ على زوجته الأمة إلا طلقتين.
{ولا يحلّ لكم} أيها الأزواج {أن تأخذوا مما آتيتموهنّ} من المهور {شيئاً} إذا طلقتموهنّ. روي أنها نزلت في جميلة أخت عبد الله بن أبيّ ابن سلول، كانت تبغض زوجها ثابت بن قيس فشكته إلى أبيها فقال: ارجعي إلى زوجك، فإني أكره للمرأة أن لا تزال رافعة يديها تشكو زوجها، فلما رأت أباها لم يشكها رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل خلفه فجاءه، فقال له: «مالك ولأهلك؟» قال: والذي بعثك بالحق نبياً ما على وجه الأرض أحبّ إليّ منها غيرك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تقولين؟» فقالت: هو مني أكرم الناس حباً لزوجته ولكن، لا أنا ولا ثابت لا يجمع رأسي، ورأسه شيء والله لا أعيبه في دين ولا خلق، ولكن أكره الكفر في الإسلام، ما أطيقه بغضاً أي: أكره إن أقمت عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر بغضاً فيه، ويحتمل أن تريد كفران العشرة ـ إني رفعت

الصفحة 148