كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

أي: ينتظرن {بأنفسهنّ} وهو خبر بمعنى الأمر، وهو أمر إيجاب أي: يجب عليهن أن يتربصن بعدهم عن النكاح {أربعة أشهر وعشراً} أي: عشرة أيام وكان القياس تذكير العدد بأن يؤتى فيه بالثاء ولكن لما حذف المعدود جاز فيه ذلك كما في قوله تعالى: {إن لبثتم إلا عشراً} (طه، 103) ثم {إن لبثتم إلا يوماً} (طه، 104) لأنّ قوله في سورة طه: {إن لبثتم إلا يوماً} بعد قوله: {إن لبثتم إلا عشراً} يدل على أنّ المراد بالعشر الأيام وإن ذكر بما يدل على الليالي، لأنهم اختلفوا في مدّة اللبث، فقال بعضهم: عشر وبعضهم يوم فدل على أنّ المقابل باليوم إنما هو أيام الليالي، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم «من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوّال» . قال البيضاويّ: ولعلّ المقتضي لهذا التقدير أي: بهذه المدّة أنّ الجنين في غالب الأمر يتحرّك لثلاثة أشهر إن كان ذكراً، ولأربعة إن كان أنثى، فاعتبر أقصى الأجلين وزيد عليه العشر استظهاراً، إذ ربما تضعف حركته في المبادي، فلا يحسن بها أي بالحركة اه. وهذا في غير الحوامل أمّا هن فعدّتهن أن يضعن حملهن بآية الطلاق، وفي غير الإماء فإنهن على النصف من ذلك بالسنة. وعن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أنّ الحامل تعتدّ بأقصى الأجلين احتياطاً.
وحكي عن أبي الأسود الدؤلي أنه كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل: من المتوفِّى؟ بكسر الفاء فقال الله: وكان أحد الأسباب الباعثة لعلي رضي الله تعالى عنه على أن أمره أن يضع كتاباً في النحو، لكن يجوز الكسر على معنى أنه مستوف أجله، ويدل له قوله تعالى: {والذين يتوفون} بفتح الياء على قراءة شاذة نقلت عن علي، أي: يستوفون آجالهم.
{فإذا بلغن أجلهن} أي: انقضت عدّتهن {فلا جناح} أي: لا حرج {عليكم} أيها الأولياء {فيما فعلن في أنفسهن} أي: من التعرّض للخطاب وسائر ما حرم عليهن للعدّة دون العقد، فإنّ العقد إلى الولي وقيل: المخاطب بذلك الأئمة أو المسلمون جميعاً.
{بالمعروف} أي: بالوجه الذي لا ينكره الشرع ومفهومه أنهن لو فعلن ما ينكر فعلى المخاطب أن يكفهن، فإن قصر فعليه الجناح {وا بما تعملون خبير} عالم بباطنه كظاهره فيجازيكم عليه.
{ولا جناح} أي: لا حرج {عليكم فيما عرضتم به} والتعريض في الكلام ما يفهم منه السامع مراده بما لم يوضع له حقية ولا مجازاً كقول السائل: جئتك لأسلّم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم ولذلك قالوا:

*وجئتك بالتسليم مني تقاضيا*
ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده، والفرق بينه وبين الكناية أنّ الكناية: هي الدلالة على الشيء بذكر لوازمه وروادفه كقولك: طويل النَّجاد للطويل، وهو بكسر النون حمائل السيف، وكثير الرماد للمضياف {من خطبة النساء} المعتدات للموفاة، والخطبة بالضم والكسر اسم الهيئة، غير أنّ المضمومة خصت بالموعظة، والمكسورة بطلب المرأة للنكاح والتعريض بالخطبة مباح في عدّة الوفاة، وهو أن يقول: رب راغب فيك من يجد مثلك، إنك لجميلة، وإنك لصالحة، وإنك لعليّ كريمة، وإني فيك لراغب، وإنّ من غرضي أن أتزوّج، وإن جمع الله بيني وبينك بالحلال أعجبتني، ولأن تزوّجتك لأحسنن إليك، ونحو ذلك من الكلام الموهم أنه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها عليه إن رغبت فيه، من غير أن يصرح بالنكاح فلا يقول: انكحيني والمرأة تجيبه بمثله إن رغبت فيه.
روى ابن المبارك عن عبد الرحمن بن سليمان عن خالته قالت: دخل عليّ أبو جعفر محمد بن علي، وأنا في عدّتي

الصفحة 153