كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

بالصلاة إنما وقع في تضاعيف أحكام الأولاد والأزواج؛ لئلا يلهيهم الاشتغال بشأنهم عنها. {والصلاة الوسطى} أي: الوسطى بين الصلوات أو الفضلى، من قولهم للأفضل: الأوسط، وإنما أفردت وعطفت على الصلوات لانفرادها بالفضل، وهي صلاة العصر على الراجح لقوله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم ناراً» وفضلها لكثرة اشتغال الناس في وقتها واجتماع الملائكة قال صلى الله عليه وسلم «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» وقيل صلاة الصبح، لأنها بين صلاتي الليل والنهار، والواقعة في الجزء المشترك بينهما لأنها مشهودة تشهدها الملائكة الحفظة، نصّ عليها الشافعيّ رحمه الله تعالى لكن رجح الأصحاب الأوّل عملاً بقوله: حيث صحّ الحديث فهو مذهبي وقيل: صلاة الظهر؛ لأنها وسط النهار، وكانت أشق الصلوات عليهم، فكانت أفضل لأنه صلى الله عليه وسلم «سئل: أيّ الأعمال أفضل؟ فقال: «أحزمها» وهو بحاء مهملة وزاي أقواها وأشدها، وقيل: صلاة المغرب لأنها متوسطة بالعدد لأنّ عددها بين عددي الركعتين والأربع، وقيل: صلاة العشاء لأنها بين جهريتين واقعتين طرفي النهار لا يقصران، وهما المغرب والصبح وقال بعضهم: هي إحدى الصوات الخمس لا بعينها أبهمها الله تعالى تحريضاً للعباد في المحافظة على أداء جميعها، كما أخفى ليلة القدر في شهر رمضان، وساعة إجابة الدعوة في يوم الجمعة وأخفى اسمه الأعظم في الأسماء ليحافظوا على جميعها {وقوموا} في الصلاة {قانتين} أي: مطيعين لقوله صلى الله عليه وسلم «كل قنوت في القرآن فهو طاعة» أو ساكنين لحديث زيد بن أرقم: «كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» ، رواه الشيخان.I

وقال ابن المسيب المراد به القنوت في الصبح.
{فإن خفتم} من عدوّ أو سبع أو سيل أو نحو ذلك {فرجالاً} جمع راجل أي: مشاة صلوا {أو ركباناً} جمع راكب أي: كيف أمكن مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها ويومىء بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع. والصلاة في حال الخوف على أقسام وهذه صلاة شدّة الخوف وسيأتي بقية الأقسام إن شاء الله تعالى في سورة النساء. ولا ينتقص عدد الركعات بالخوف عند أكثر أهل العلم.
وروى مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم قال: «فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين» وفي الخوف ركعة، وفي الآية دليل على وجوب الصلاة حال المقاتلة، وإليه ذهب الشافعيّ رضي الله تعالى عنه، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: لا يصلي حال المشي والمقاتلة ما لم يمكن الوقوف، وقال سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه: إذا كنت في القتال وضرب الناس بعضهم بعضاً فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر واذكر الله فتلك صلاتك {فإذا أمنتم} من الخوف {فاذكروا الله} أي: صلوا الصلوات الخمس تامّة بحقوقها {كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون} قبل تعليمه من فرائضها وحقوقها، والكاف بمعنى مثل وما موصولة أو مصدرية.
{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم} قرأ نافع وابن كثير وشعبة والكسائي وصية بالرفع أي: فعليهم وصية، والباقون بالنصب أي: فليوصوا وصية، وقوله تعالى: {متاعاً} نصب على المصدر أي: متعوهنّ متاعاً أي: يتمتعن به من النفقة والكسوة {إلى} تمام {الحول} من

الصفحة 156