كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

المملكة سبط يهوذا بن يعقوب، ومنه كان داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام، ولم يكن طالوت من أحدهما، إنما كان من سبط بنيامين بن يعقوب، وكانوا عملوا ذنباً عظيماً كانوا ينكحون النساء على ظهر الطريق جهاراً، فغضب الله عليهم ونزع الملك والنبوّة منهم، وكانوا يسمون سبط الإثم، فلما قال لهم نبيهم ذلك أنكروا؛ لأنه لم يكن من سبط المملكة، ومع ذلك قالوا: هو دباغ {ولم} أي: والحال أنه لم {يؤت سعة من المال} يستعين بها على إقامة الملك ولما استبعدوا تملكه لفقره وسقوط نسبه، ردّ عليهم ذلك بأمور حكاها الله تعالى عن نبيهم بقوله تعالى: {قال} أي: نبيهم {إنّ الله اصطفاه} أي: اختاره للملك {عليكم} والعهدة في التملك اصطفاء الله تعالى وقد اختاره عليكم، وهو أعلم بالمصالح منكم هذا الأمر الأوّل، والثاني قوله: {وزاده} عليكم {بسطة} أي: سعة {في العلم} الذي يحصل به نظام المملكة ويتمكن به من معرفة الأمور السياسية {و} في {الجسم} الذي به يتمكن من الظفر بمن بارزه من الشجعان وقصده من سائر الأقران، ويكون أعظم خطراً في القلوب وأقوى على مقاومة العدوّ، ومكابدة الحروب، لا ما ذكرتم وقد زاده الله في العلم، فكان أعلم بني إسرائيل يومئذٍ، والجسم فكان أجملهم وأتمهم خلقاً، كان الرجل القائم يمدّ يده فيتناول رأس طالوت.
والثالث قوله: {والله يؤتي ملكه} أي: الذي هو له وليس لغيره فيه شيء {من يشاء} فإنه تعالى مالك الملك على الإطلاق، فله أن يؤتيه من يشاء سواء كان غنياً أم فقيراً، كما آتاكموه بعد أن كنتم مستعبدين عند آل فرعون والرابع قوله: {وا واسع} أي: واسع الفضل يوسع على الفقير، ويغنيه {عليم} بمن يليق بالملك من النسيب وغيره.
{وقال لهم نبيهم} لما أذعنوا لذلك وطلبوا منه آية تدلّ على أنه سبحانه وتعالى اصطفى طالوت وملكه عليهم {إنّ آية} أي: علامة {ملكه أن يأتيكم التابوت} أي: الصندوق وكان فيه صور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أنزله الله تعالى على آدم صلى الله عليه وسلم وكان من عود الشِّمشار ـ بمعجمتين أولاهما مكسورة وبينهما ميم ساكنة ـ خشب تعمل منه الأمشاط، مموّهاً بالذهب نحواً من ثلاثة أذرع في ذراعين، فكان عند آدم إلى أن مات ثم عند شيث ثم توارثه أولاد آدم إلى أن بلغ إبراهيم، ثم كان عند إسمعيل؛ لأنه كان أكبر ولده ثم عند يعقوب، ثم كان في بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى، ثم تداوله أنبياء بني إسرائيل، ثم استمرّ عند بني إسرائيل، وكانوا إذا اختلفوا في شيء تكلم أو حكم بينهم، وإذا حضروا القتال قدّموه بين أيديهم فيستفتحون به على عدوّهم كما قال تعالى: {فيه سكينة} أي: طمأنينة لقلوبكم {من ربكم} ففي أي مكان كان التابوت اطمأنوا إليه وسكنوا قاله قتادة والكلبي: لما عصوا وفسدوا سلط الله عليهم العمالقة أصحاب جالوت، فغلبوهم على التابوت وأخذوه.

وقال علي: هو صورة لها رأسان ووجه كوجه الإنسان، وقال مجاهد: هي شيء يشبه الهرة له رأس كرأس الهرّة وذنب كذنب الهرّة وله جناحان، وقيل: له عينان لهما شعاع وجناحان من زمرد وزبرجد، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هي طشت من ذهب من الجنة، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء، وقال وهب: هي روح من الله تتكلم إذا اختلفوا في شيء تخبرهم ببيان ما يريدون.
ولما كان الكليم وأخوه عليهما الصلاة والسلام أعظم أنبيائهم قال: {و} فيه {بقية مما ترك آل موسى

الصفحة 161