كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

وآل هرون} وآلهما أنفسهما والآل مقحم لتفخيم شأنهما.
وقيل: أبناؤهما، وقيل: أنبياء بني إسرائيل لأنهم أبناء عمّ موسى وهرون والبقية هي رضاض الألواح أي: فتاتها وعصا موسى وثيابه ونعلاه وعمامة هرون وقفيز من المنّ، الذي كان ينزل عليهم.
وقوله تعالى: {تحمله الملائكة} حال من فاعل يأتيكم {إنّ في ذلك لآية لكم} على ملكه وقوله تعالى: {إن كنتم مؤمنين} يحتمل أن يكون من كلام نبيهم، وأن يكون ابتداء خطاب من الله تعالى، فحملته الملائكة بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه، حتى وضعته عند طالوت فأقروا بملكه، وقيل: رفعه الله تعالى بعد موسى، فنزلت به الملائكة وهم ينظرون إليه، فلما رأوه لم يشكوا في النصر به، فأقروا بملكه وتسارعوا إلى الجهاد، فقال طالوت: لا حاجة لي في كل ما أرى لا يخرج معي رجل يبني بناء لم يفرغ منه، ولا صاحب تجارة مشتغل بها ولا رجل عليه دين، ولا رجل تزوّج امرأة ولم يبن بها، ولا أبتغي إلا الشاب النشيط الفارغ، فاجتمع عليه ممن اختاره ثمانون ألفاً وكان الوقت صيفاً في حرّ شديد فشكوا قلّة الماء بينهم وبين عدوّهم وقالوا: إن المياه لا تحملنا فادعو الله أن يجري لنا نهراً كما قال تعالى:
u
{فلما فصل} أي: خرج {طالوت} أي: الذي ملكوه {بالجنود} من بيت المقدس أي: التي اختارها والجنود، جمع جند وهم أتباع يكونون نجدة للمستتبع {قال إنّ الله مبتليكم} أي: مختبركم ليظهر منكم المطيع والعاصي وهو أعلم {بنهر} قال ابن عباس والسدّي: هو نهر فلسطين وقال قتادة نهر بين الأردن وفلسطين عذب {فمن شرب منه} أي: من مائه فليس مني أي: من أتباعي {ومن لم يطعمه} أي: يذقه {فإنه مني} أي: من أتباعي، وإنما علم ذلك بالوحي إن كان نبياً كما قيل أو بإخبار النبيّ عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى: {إلا من اغترف غرفة بيده} أي: فاكتفى بها ولم يزد عليها، «فإنه مني» استثناء من قوله تعالى: فمن شرب، وإنما قدّمت عليه الجملة الثانية؛ للعناية بها كما قدّم الصابئون على خبر إن في قوله: {إنّ الذين آمنوا والذين هادوا} (البقرة، 62) والمعنى الرخصة في القليل دون الكثير، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو غرفة بفتح الغين والباقون بضمها.
فائدة: قال أبو عمرو بن العلاء: سمعت أعرابياً ينشد وقد كنت خرجت إلى ظاهر البصرة متفرجاً مما نالني من طلب الحجاج:
*صبر النفس عند كل ملم ... إن في الصبر حيلة المحتال*

*لا تضيقن في الأمور فقد تك ... شف لأواؤها بغير احتيال*
*ربما تجزع النفوس من الأم ... ر له فرجة كحل العقال*
*قد يصاب الجبان في آخر الص ... ف وينجو مقارع الأبطال*
فقلت ما وراءك يا أعرابي؟ قال: مات الحجاج فلم أدر بأيهما أفرح أبموت الحجاج أم بقوله فرجة؛ لأني كنت أطلب شاهداً لاختيار القراءة في سورة البقرة غرفة بالضم.
{فشربوا منه} لما وافوه بكثرة وقوله تعالى: {إلا قليلاً منهم} أي: فاقتصر على الغرفة، نصب على الاستثناء.
روي أن من اغترف غرفة كما أمر الله قوي قلبه وصح إيمانه وعبر النهر سالماً، وكفته تلك الغرفة الواحدة لشربه وأروته، والذين شربوا وخالفوا أمر الله اسودت شفاههم، وغلبهم العطش، فلم يرووا وبقوا على

الصفحة 162