كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

وطالوت ولم يجتمعا لأحد قبله بل كان الملك في سبط والنبوّة في سبط وقيل: الملك والحكمة العلم والعمل.
{وعلمه مما يشاء} كصنعة الدروع كان يصنعها ويبيعها، وكان لا يأكل إلا من عمل يده، ومنطق الطير والصوت الطيب، والألحان، ولم يعط الله تعالى أحداً من خلقه مثل صوته، كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يؤخذ بأعناقها، وتظله الطير ويركد الماء الجاري ويسكن الريح والسلسلة، كان لا يمسها ذو عاهة إلا برأ، وكانوا يتحاكمون إليها بعده إلى أن رفعت، فمن تعدى على صاحبه وأنكر له حقاً أتى السلسلة، فمن كان صادقاً مد يده إليها فتناولها، ومن كان كاذباً لم ينلها وكان ذلك إلى أن ظهر فيهم المكر والخديعة، فأودع بعض ملوكهم رجلاً جوهرة ثمينة فلما طلبها منه أنكرها، فتحاكما إلى السلسلة فعمد الذي عنده الجوهرة، إلى عكازة فنقرها وضمنها الجوهرة واعتمد عليها حتى حضر السلسلة فقام صاحب الجوهرة فتناول السلسلة بيده ثم قام المنكر وقال لصاحب الجوهرة: خذ عكازتي هذه فاحفظها حتى أتناول السلسلة فقال الرجل: اللهمّ إن كنت تعلم أنّ الوديعة التي يدعيها قد وصلت إليه فقرب مني السلسلة فمدّ يده فتناولها فتعجب القوم وشكوا فيها، فأصبحوا وقد رفع الله السلسلة.
{ولولا دفع الله الناس بعضهم} بدل بعض من الناس {ببعض} أي: ولولا دفع الله بجنود المسلمين الكفار {لفسدت الأرض} بغلبة المشركين وقتل المسلمين، وتخريب المساجد، أو لفسدت الأرض بشؤم الكفر فيكون المعنى: ولولا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار لهلكت الأرض بمن فيها ولكن الله يدفع بالمؤمن عن الكافر وبالصالح عن الفاجر.
وقد روي أنّ الله عز وجلّ ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء ثم قرأ ابن عمر الآية.
وروي عن ابن عباس أنه قال: «يدفع الله تعالى بمن يصلي، عمن لا يصلي وبمن يحج، عمن لا يحج وبمن يزكي عمن لا يزكي» وعن جابر بن عبد الله «أنّ الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده، وأهل دويرته ودويرات حوله، ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم» . وعن ابن مسعود «أنّ لله عز وجلّ في الخلق ثلثمائة قلوبهم على قلب آدم، ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى، ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم، ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبرائيل، ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل، ولله في الخلق واحد قلبه في قلب إسرافيل، فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة وإذا مات واحد من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة، وإذا مات واحد من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة، وإذا مات واحد من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات واحد من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلثمائة، وإذا مات واحد من الثلثمائة أبدل الله مكانه من العامّة فيهم يحيي ويميت قال: لأنهم يسألون الله إكثار الأمم فيكثرون ويدعون على الجبابرة فينقصمون ويستسقون، فيسقون ويسألون فتنبت لهم الأرض ويدعون فيدفع الله أنواع البلاء» .
{ولكن الله ذو فضل على العالمين} أي: كلهم أوّلاً بالإيجاد، وثانياً بالدفاع، فهو يكف عن ظلم الظلمة، إمّا بعضهم ببعض أو بالصالحين ويسبغ عليهم غير ذلك من أنواع نعمه ظاهرة وباطنة.
{تلك} أي: هذه الآيات التي قصصناها عليك من حديث الأوّلين، وتمليك طالوت وإتيان

الصفحة 165