كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

كفرهم في ذلك اليوم {هم} المختصون بأنهم {الظالمون} أي: الكاملون في الظلم لا غيرهم.
وقوله سبحانه:
{الله لا إله إلا هو} مبتدأ وخبر والمعنى أنه المستحق للعبادة لا غير {الحيّ} أي: الدائم البقاء {القيوم} أي: الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظهم {لا تأخذه سنة} وهي ما يتقدّم النوم من الفتور، الذي يسمى النعاس، قال ابن الرقاع العاملي:

*وسنان أقصده (أي: أصابه) النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم*
أي: لا يأخذه نعاس {ولا نوم} وهو حالة تعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة، بحيث تقف الحواس الظاهرة عن الإحساس.
فإن قيل: تقديم السنة على النوم قياس المبالغة عكسه، أجيب: بأنّ هذا ذكر ترتيب الوجود، إذ وجود السنة سابق على وجود النوم، فهو على طريقة لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، قصداً إلى الإحاطة والإحصاء؛ ولأنه لمّا عبر بالأخذ الذي هو بمعنى القهر والغلبة وجب تقديم السنة كما لو قيل: فلان لا يغلبه أمير ولا سلطان، وجملة لا تأخذه سنة ولا نوم نفي للتشبيه بينه وبين خلقه وتأكيد لكونه حياً قيوماً فإن من أخذه نعاس أو نوم كان بآفة تخلّ بالحياة قاصراً في الحفظ والتدبير، ولذلك ترك العاطف فيه.e
وفي الجمل التي بعده من قوله: {له ما في السموات وما في الأرض} إلخ.. وقوله تعالى: {له} أي: بيده وفي تصرّفه واختصاصه {ما في السموات وما في الأرض} أي: ملكاً وخلقاً تقرير لقيوميته، واحتجاج على تفرّده في الألوهية، والمراد بما فيهما ما وجد فيهما داخلاً في حقيقتهما كالكواكب والنبات والمعادن، وخارجاً عنهما متمكناً منهما، كالملائكة والإنس والجنّ.
وقوله تعالى: {من ذا الذي} أي: لا أحد {يشفع عنده إلا بإذنه} له بيان لكبرياء شأنه وأنه لا أحد يساويه أو يدانيه، يستقل بأن يدفع ما يريده شفاعة وتواضعاً فضلاً أن يدفعه عناداً ومخاصمة {يعلم ما بين أيديهم} في الخلق من أمر الدنيا {وما خلفهم} أي: من أمر الآخرة قاله مجاهد، وقال الكلبي: ما بين أيديهم يعني: الآخرة؛ لأنهم يقدمون عليها وما خلفهم الدنيا لأنهم يخلفونها وراء ظهورهم وقيل: ما بين أيديهم ما قدّموا من خير وشرّ وما خلفهم ما هم فاعلوه {ولا يحيطون بشيء} أي: قليل ولا كثير {من علمه} أي: لا يعلمون شيئاً من معلوماته {إلا بما شاء الله} أن يعلمهم به منها بإخبار الرسل {وسع كرسيه السموات والأرض} اختلف في الكرسي فقال الحسن: هو العرش نفسه، وقال أبو هريرة: هو موضع أمام العرش، والأحاديث تدل عليه، ومعنى وسع أنّ سعته مثل سعة السموات والأرض، وفي الأخبار أن السموات والأرض في جنب الكرسي كحلقة في فلاة والكرسي في جنب العرش كحلقة في فلاة.
ويروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ السموات السبع في الكرسي كدراهم سبعة ألقيت في ترس، وقال علي ومقاتل: كل قائمة من الكرسي طولها مثل السموات السبع والأرضين السبع، وهو بين يدي العرش، ويحمل الكرسي أربعة أملاك لكل ملك أربعة وجوه وأقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة السفلى مسيرة خمسمائة عام، ملك على صورة أبي البشر آدم عليه الصلاة والسلام، وهو يسأل للآدميين الرزق والمطر من السنة، إلى السنة وملك على صورة سيد الأنعام وهو الثور،

الصفحة 168