كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

يسأل للأنعام الرزق من السنة إلى السنة، وعلى وجهه غضاضة منذ عبد العجل، وملك على صورة سيد السباع، وهو الأسد يسأل الرزق للسباع من السنة إلى السنة، وملك على صورة سيد الطير وهو النسر، يسأل للطير الرزق من السنة إلى السنة، وفي بعض الأخبار أن ما بين حملة العرش وحملة الكرسي سبعين حجاباً من ظلمة وسبعين حجاباً من نور، غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة عام، لولا ذلك لاحترقت حملة الكرسي من نور حملة العرش وقيل: المراد بالكرسي علمه، وقيل: ملكه وقيل: تصوير لعظمته وتمثيل مجرّد {ولا يؤده} أي: لا يثقله ولا يشق عليه {حفظهما} أي: السموات والأرض {وهو العليّ} أي: الرفيع فوق خلقه المتعالي عن الأشباه والأنداد {العظيم} أي: الكبير الذي لا شيء أعظم منه، المستحقر بالإضافة إليه كل ما سواه.
وهذه الآية تسمى آية الكرسي، مشتملة على أمّهات المسائل الإلهية، فإنها دالة على أنه موجود واحد في الإلهية، متصف بالحياة واجب لوجود لذاته، موجد لغيره، إذ القيوم هو القائم بنفسه المقيم لغيره منزه عن التحيز والحلول، مبرّأ عن التغير والفتور، لا يناسب الأشباح ولا يعتريه ما يعتري الأرواح، مالك الملك والملكوت، ومبدع الأصول والفروع، ذو البطش الشديد، الذي لا يشفع عنده إلا من أذن له، عالم بالأشياء كلها جليها وخفيها كليها وجزئيها، واسع الملك والقدرة، إذ المقدور كل ما يصح أن يملك ويقدر عليه لا يؤده شاق ولا يشغله شان، عن شان متعال عما يدركه وهم عظيم فلا يحيط به فهم، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «إنّ أعظم آية في القرآن الكرسي» رواه مسلم، وروى النسائيّ وابن حبان وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت» أي: فإذا مات دخل الجنة.
وروى البيهقيّ في «شعبه» أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يواظب عليها إلا صديق أو عابد» ، وروي البيهقي أيضاً «أنّ من قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله على نفسه، وجاره وجار جاره والأبيات حوله» . وعن أبيّ بن كعب أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سأله: «أيّ آية من كتاب الله أعظم؟» قال: قلت الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم، قال: فضرب في صدري ثم قال: «ليهنك العلم أبا المنذر، والذي نفسي بيده إنّ لها لساناً وشفتين تقدّس الملك عند ساق العرش» وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ حين يصبح آية الكرسي وآيتين من أوّل حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم حفظ في يومه ذلك حتى يمسي فإن قرأهما حين يمسي حفظ في ليلته تلك حتى يصبح» . وروي: «ما قرئت آية الكرسي في دار إلا هجرتها الشياطين ثلاثين يوماً ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة، يا علي علّمْها ولدك وأهلك وجيرانك، فما نزلت آية أعظم منها» وتذاكر الصحابة أفضل ما في القرآن فقال لهم عليّ رضي الله تعالى عنه: أين أنتم عن آية الكرسي ثم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عليّ سيد البشر آدم، وسيد العرب محمد ولا فخر، وسيد الفرس سلمان وسيد الروم صهيب، وسيد الحبشة بلال وسيد الجبال، الطور وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد الكلام القرآن، وسيد القرآن البقرة وسيد البقرة، آية الكرسي» .
{لا إكراه في الدين} أي: على الدخول فيه أي: فمن أعطي الجزية لم يكره على الإسلام فهو عام مخصوص بأهل الكتاب.
لما روي أنّ أنصارياً كان له ابنان تنصرا قبل المبعث ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما وقال: والله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الأنصاري: يا رسول الله

الصفحة 169