كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

بعثني قالت: فإنّ عزيراً كان رجلاً مستجاب الدعوة يدعو للمريض وصاحب البلاء بالعافية، فادع الله أن يردّ عليّ بصري حتى أراك، فإن كنت عزيراً عرفتك، فدعا ربه ومسح يده على عينيها فصحتا وأخذ بيدها فقال: قومي بإذن الله تعالى، فأطلق الله رجليها فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال، فنظرت إليه فقالت: أشهد أنك عزير فانطلقت إلى بني إسرائيل، وهم في أنديتهم ومجالسهم وابن العزير شيخ ابن مائة سنة وثمان عشرة سنة، وبنو بنيه شيوخ في المجلس، قال الضحاك: عاد إلى قريته شاباً وأولاده وأولاد أولاده شيوخ وعجائز، وهو أسود الرأس واللحية، فقالت: هذا عزير قد جاءكم فكذبوها فقالت: أنا فلانة مولاتكم دعا لي ربه فردّ عليّ بصري وأطلق رجلي، وزعم أنّ الله أماته مائة عام ثم بعثه، فنهض الناس وأقبلوا عليه ونظروا إليه، وقال ابنه: كان لأبي شامة سوداء مثل الهلال بين كتفيه، فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير، فقال بنو إسرائيل: فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة فيما حدثنا غير عزير، فقرأ لهم التوراة من الحفظ ولم يحفظها أحد قبله، فعرفوه بذلك وقالوا: هو ابن الله.u

وسيأتي الكلام على ذلك في سورة براءة إن شاء الله تعالى.
{فلما تبين له} ذلك بالمشاهدة وفاعل تبين مضمر تقديره: فلما تبيّن له أنّ الله على كل شيء قدير {قال أعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير} فحذف من الأوّل لدلالة الثاني عليه كما في قولهم: ضربني وضربت زيداً، وقرأ حمزة والكسائيّ بوصل الهمزة قبل العين وسكون الميم، والباقون بقطع الهمزة ورفع الميم.

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَاكِن لِّيَطْمئِنَّ قَلْبِى قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا? وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَن?بَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُن?بُلَةٍ مِّا?ئَةُ حَبَّةٍ? وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ? وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُوا? مَنًّا وَ? أَذًى? لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى? وَاللَّهُ غَنِىٌّ حَلِيمٌ * يَ?اأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا? تُبْطِلُوا? صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَا?ذَى كَالَّذِى يُنفِقُ مَالَهُ? رِئَآءَ النَّاسِ وَيُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ ا?خِرِ? فَمَثَلُهُ? كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ? وَابِلٌ فَتَرَكَهُ? صَلْدًا? s يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا?? وَاللَّهُ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}
{و} اذكر {إذ قال إبراهيم رب أرني} أي: أبصرني، قرأ ابن كثير والسوسي بسكون الراء من أرني، وقرأ الدوريّ باختلاس الكسرة، والباقون بكسرة كاملة {كيف تحيي الموتى} قال الحسن وقتادة والضحاك: كان سبب هذا السؤال من إبراهيم عليه السلام أنه مرّ على دابة ميتة، قال ابن جرير: كانت جيفة حمار فرآها وقد توزعتها دواب البحر والبرّ، فكانت إذا مدّ البحر جاءت الحيتان ودواب البحر فأكلت منها، وما وقع منها، يصير في البحر وإذا انحسر البحر جاءت السباع فأكلت منها وما وقع منها يصير تراباً فإذا ذهبت السباع جاءت الطير فأكلت منها وما سقط قطعته الريح في الهواء، فلما رأى ذلك إبراهيم تعجب منها وقال: يا رب قد علمت أنك لتجمعها من بطون السباع وحواصل الطير وأجواف دواب البحر، فأرني كيف تحييها فأزداد يقيناً فعابه الله بقوله:
{قال أولم تؤمن} بقدرتي على الإحياء سأله مع علمه بإيمانه بذلك ليجيب بما أجاب به، فيعلم السامعون غرضه {قال بلى} يا رب آمنت {ولكن ليطمئن قلبي} أي: ليسكن قلبي إلى المعاينة والمشاهدة، أراد أن يصير له بعد علم اليقين عين اليقين، فإن العيان يفيد في المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال.

وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم «نحن أحق بالشك من إبراهيم ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي» فقال أبو سسليمان الخطابي: ليس فيه اعتراف بالشك على نفسه ولا على إبراهيم لكن فيه نفي الشك عنهما يقول: إذا لم أشك في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بأن لا يشك، وقال ذلك على سبيل التواضع والهضم من النفس، وكذلك قوله: ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف، وقيل: سبب سؤاله أنه لما قال له نمروذ أنا أحيي وأميت قال له: إن إحياء الله بردّ الروح إلى بدنها، فقال نمروذ: هل عاينته فلم يقدر أن يقول: نعم، وانتقل إلى تقرير آخر ثم سأل ربه أن يريه ليطمئن قلبه في الجواب إن سئل عنه مرّة

الصفحة 174