كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

أنياب الكلاب ـ أي: في بياضها وصفرتها وانضمام بعضها إلى بعض، واللابتان حرّتان يكتنفانها والحرّة كل أرض ذات حجارة سوداء كأنها محترقة من الحرّ ثم ضرب الثانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال: أضاءت لي قصور صنعاء وأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة على كلها أي: الأراضي التي أضاءت ـ فأبشروا، فقال المنافقون: ألا تعجبون يمنيكم أيها المؤمنون ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب ـ أي: المدينة ـ قصور الحيرة وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق ـ أي: الخوف ـ فنزلت» . ونبه أيضاً على أن الشرّ بيده بقوله: {إنك على كل شيء قدير} والشرّ شيء ثم عقب ذلك ببيان قدرته على تعاقب الليل والنهار والموت والحياة وسعة فضله فقال:

{تولج} أي: تدخل {الليل في النهار} حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات {وتولج} أي: تدخل {النهار في الليل} حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة، والنهار تسع ساعات فيزيد كل منهما بما نقص من الآخر {وتخرج الحيّ من الميت} كالإنسان من النطفة والطائر من البيضة {وتخرج الميت من الحيّ} كالنطفة من الإنسان والبيضة من الطائر، وقال الحسن وعطاء: تخرج المؤمن من الكافر، وتخرج الكافر من المؤمن فالمؤمن حيّ الفؤاد والكافر ميت الفؤاد قال الله تعالى: {أومن كان ميتاً فأحييناه} (الأنعام، 122) وقال الزجاج: تخرج النبات الغض الطريّ من الحب اليابس وتخرج الحب اليابس من النبات الحيّ النامي، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة: {الميت} بسكون الياء والباقون بكسر الياء مشدّدة.
{وترزق من تشاء بغير حساب} أي: رزقاً واسعاً. عن عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ فاتحة الكتاب وآية الكرسي والآيتين من آل عمران شهد الله إلى قوله: {إنّ الدين عند الله الإسلام} ، {وقل اللهمّ مالك الملك} إلى قوله {بغير حساب} معلقات ما بينهنّ وبين الله عز وجل حجاب قلن يا رب تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك؟ قال الله عز وجل بي حلفت لا يقرأكنّ أحد دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مثواه على ما كان فيه ولأسكننه حظيرة قدسي ولأنظرن إليه بعيني المكنونة كل يوم سبعين مرّة ولأقضينّ له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ولأعيذنه من كل عدوّ وحاسد ولأنصرنه منه» .
{لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء} يوالونهم. عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في المنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار يرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية ونهى المؤمنين أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها ويتعاشر وقوله تعالى: {من دون} أي: غير {المؤمنين} إشارة إلى أنهم الأحقاء بالموالاة وأنّ في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة والمحبة في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان {ومن يفعل ذلك} أي: يوالي الكفرة {فليس من الله} أي: من ولاية الله {في شيء} يصح أن يسمى ولاية شرعية فإنّ ولاية المتعاديين لا يجتمعان لما بينهما من التضاد كما قال القائل:
*فليس أخي من ودّني رأي عينه ... ولكن أخي من ودّني في المغايب*

الصفحة 207